ولا بد للعبد من الرضا بقسمته، فمن ظنّ أن الله غير رازقه وليس به صبر واستسلام، فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق، فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يردّه مرزوقا.
[(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ)].
أي: ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله (آياتٍ بَيِّناتٍ) (وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي) به الذين يعلم أنهم يؤمنون. أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى، أنزله كذلك مبينا.
[(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)].
الفصل مطلق يحتمل الفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعا، فلا يجازيهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حَرْفٍ) فإنها نازلةٌ في أعاريب، وكان أحدهم إذا صح بدنه، ونُتجت فرسه مهراً"، إلى آخره ويكون قوله: (يَدْعُوا) إلى آخر الآيات معترضةً مؤكدةً لمعنى تجهيلهم، وأن الله هوالقابض الباسط وهو الضار النافع وحده.
قوله: (ومثلُ ذلك الإنزال)، يعني: مثل ما تقدم من آيات القرآن المشتملة على البيان التام، أنزلنا القرآن كله، يعني: كل آيات القرآن مبنيات، وقوله: (وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي) تعليلٌ لكون القرآن بياناً، ومعلله محذوفٌ يدل عليه المذكور، والجملة من التعليل والمعلل معطوفةٌ على ما قبلها علىطريقة: أعجبني زيدٌ وكرمُه. ونظيره قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: ٥٥]. وأما بيانُ النظم فنه تعالى لما ذكر المجادلين من المخالفين، وأراد أن يعم المخالفين كلهم بقوله:

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) الآية، أوقع هذه الآية كالتخلص من وصفهم إلى وصفهم.
قوله: (يحتملُ الفصل بينهم في الأحوال والأماكن)، هذا إعمالٌ للفظ الواحد في معنيين متوافقين إعمال القدر المشترك.


الصفحة التالية
Icon