ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سوء صنيعهم بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أتى بقوله: (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) عاطفاً عليه وهو مضارعٌ، ونوعٌ من أنواع الكفر، فدل الاستقبال على أن الصد عادتهم ودأبهم كما مر آنفاً، ودل عطف النوع على الجنس على تمادي هذا الكفر - وهو الصد- الغاية، حتى خرج من ذلك الجنس على منوال قوله: (ومَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) [البقرة: ٩٨] ثم عقب بقوله تعالى: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي) عاطفاً على (سَبِيلِ اللَّهِ) على منوال العطف السابق تتميماً ومبالغةً، يعني: ما كفاهم إعراضهم عن العبادة، حتى بلغ أن منعوا الغير عنها، وتمادى ذلك المنعُ إلى أن بلغ على الموضع الذي عظمناه وحرمناه لغير عبادتنا، ولا يختص به أحدٌ دون أحد، سواءٌ في ذلك قُطانه وقُصادُه، ويعضده تذييل الكلام بقوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ)؛ لأن الصاد مائلٌ عن الحق، ملحدٌ واضعٌ للشيء في غير موضعه، وإليه الإشارة بقوله: "وكل من ارتكب فيه ذنباً فهو كذلك"، فأين في الكلام مجالُ بيع الدور وتمليكها، اللهم إلا أن يقال: إن دلالة الآية على ذلك بالإدماج وإشارة النص، ومن ثم لما حاور الإمام الشافعي إسحاق عارض دليله بمثله، وهو قوله تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) [الحج: ٤٠] وأتى بحديث عُمر رضي الله عنه، سكت إسحاقُ، والمصنفُ أيضاً لم يزد على ذلك، وما اشتغل بالجواب لما عرف المقام.
وأما استدلالهم بقوله تعالى: (مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) [الإسراء: ١] بأن المراد بالمسجد الحرام الحرم فضعيفُ، لما روينا عن البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، عن مالك بن صعصعة، أن نبي الله ﷺ حدثهم عن ليلة أُسري به قال: "بينما أنا في الحطيم- وربماقال: في الحجر مضطجعاً، ومنهم من قال: بين النائم واليقظان- إذ أتاني


الصفحة التالية
Icon