الزور، لأن توحيد الله ونفى الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات وأسبقها خطوا. وجمع الشرك وقول الزور في قران واحد، وذلك أنّ الشرك من باب الزور لأنّ المشرك زاعم أنّ الوثن تحق له العبادة، فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور واجتنبوا قول الزور كله لا تقربوا شيئا منه لتماديه في القبح والسماجة. وما ظنك بشيء من قبيله عبادة الأوثان. وسمى الأوثان رجسا وكذلك الخمر والميسر والأزلام، على طريق التشبيه. يعنى: أنكم كما تنفرون بطباعكم عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحرماتُ التي تتعلق بالحج دخولاً أولياً، وأن قوله تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ) وقوله: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) تعريضٌ وإيماءٌ إلى بيان النوعين من قبائح المشركين، أحدهما: تحريمهم السوائب والحام والوصيلة، وتحليل الميتة والدم وغيرهما. وثانيهما: عكوفهم على عبادة الأوثان، فأتى بهما تخصيصاً بعد تعميم ليؤذن بأنهما من أعظم أنواع المحرمات، ثم ضم مع عبادة الأوثان قول الزور، ولم يعطف عليه، بل أعاد الفعل؛ ليكون مستقلاً في الاجتناب عنهُ، وما اكتفي بذلك، بل جعل التعريف للجنس؛ ليكون من باب عطفِ العامِّ على الخاص.
قوله: (في قرانٍ واحد)، أي: أدخلهما في حُكم الأمر بالاجتناب عنهما، ورُوعي فيه تأخيرُ العامِّ عن الخاص، على عكس قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) تناول بظاهره كل ما تنفر عنه النفس والطبيعة من القاذورات، وحين بينه بقوله: (مِنْ الأَوْثَانِ) عُلم منه تشبيه الأوثان به، كقوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) [البقرة: ١٨٧]، ولما قال: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ) [المائدة: ٩٠] فُهم منه التشبيه؛ لعدم صحة الحمل، فكأنه قيل: هي كالرجس، كقولك: زيدٌ أسدٌ، لكن الأول من التشبيه الواقع على طريق التجريد، فجُرد من الرجس شيءٌ يسمى وثناً، وهو هو، والجهة الجامعة: تنفيرُ النفس،