ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عقلياً بأخذِ الزُّبدةِ والخلاصة من المجموع، وأن يكون تمثيلياً بأن تشبهَ الحالةُ المنتزعةُ بمثلها المقدرة.
الانتصاف: تقديرُ كونه مفرقاً تشبيهٌ للمشرك بالهاوي من السماء إن كان من ردة، كمثل من علا السماء ذاهباً ثم أهبط بارتداده. وإن كان مشركاً أصلياًّ، فقد عُدَّ تمكنهُ منَ الإيمان وعدولُه عنه بمنزلةِ الصاعد ثم الهابط، كقوله تعالى: (يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة: ٢٥٧]، ولم يدخلوا في النور بل كانوا متمكنين منه، وفي قول الزمخشري: "الأهواءُ التي تتوزعُ أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة" نظرٌ؛ لأنه رجع بهما إلى أمرٍ واحد؛ إذ الأفكارٌ من نتائج وسوسة الشيطان، والآية سيقت لجعلهما شيئين، والذي يتضح في التشبيهين غير ذلك. فالكافرون قسمان، أحدهما: مُذبذبٌ شاكٌّ ليس بمصمم، وهذا مشبهٌ بمن اختطفه الطيرُ فلا يتولى طائرٌ منه على مزعةٍ إلا انتهبها منه آخرُ، كذا المُذبذبُ متى لاح له خيالٌ اتبعه، وترك ما كان عليه. والآخر مصممٌ لا يرجع، وهو فرحٌ بضلاله، فهو مشبهٌ باستقرار من ألقته الريح في وادٍ فاستقر فيه.
وقال القاضي: (أوْ) للتخيير، كما في قوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ) [البقرة: ١٩]، أو للتنويع، فن من المشركين من لا خلاص له أصلاً، ومنهم من يمكنُ خلاصه بالتوبة ولكن على بُعد.
وقلتُ: الذي عليه ظاهرُ كلام الله المجيد أن (أوْ) للتخيير، وهُو المختارُ عند المصنفِ رحمه الله تعالى؛ لأن المشبه هو المشرك، والمشبه به من خر من السماء، ثم هذا الشخصُ المخرور منها بين حالين: إما أن تخطفه الطيرُ، أو تهوي به الريح، فإن (أَوْ تَهْوِي بِهِ) عطفٌ على (فَتَخْطَفُهُ)، وهو عطفٌ على (خَرَّ). قال أبو البقاء: (خَرَّ) بمعنى: يخرُّ؛ ولذلك عطف عليه (فَتَخْطَفُهُ).


الصفحة التالية
Icon