شرع الله لكل أمة أن ينسكوا له: أى يذبحوا لوجهه على وجه التقرّب، وجعل العلة في ذلك أيذكر اسمه تقدست أسماؤه على النسائك: وقرئ (مَنْسَكاً) بفتح السين وكسرها، وهو مصدر بمعنى النسك، والمكسور يكون بمعنى الموضع (فَلَهُ أَسْلِمُوا) أى أخلصوا له الذكر خاصة، واجعلوه لوجهه سالما، أى: خالصا لا تشوبوه بإشراك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرئ: (مَنْسَكاً) بفتح السين وكسرها)، حمزة والكسائي: بالكسر، والباقون: بالفتح.
قوله: (أي: أخلصوا له الذكر خاصة)، فـ"أخلِصُوا": تفسيرٌ لقوله: (أَسْلِمُوا)، وقوله: "خاصةً" تأكيدٌ له وتأويل لتقديم الجار والمجرور على عامله، وإنما قيد (أَسْلِمُوا) وهو مطلقٌ بأخلصوا الذكر؛ لأن قوله: أسلموا مترتبٌ على قوله: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ)، فالفاء في (فَلَهُ أَسْلِمُوا) الفاء في (فَاسْتَبَقُوا) في قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) إلى قوله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [المائدة: ٤٨]، وفي قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة: ١٤٨]، قال المصنف: "لكل أمةٍ قبلةٌ تتوجه إليها منكم ومن غيركم، فاستبقوا أنتم الخيرات، واستبقوا إليها غيركم من أمرِ القبلة وغيرها".
وهاهنا لما كانت الجملةُ الأولى- أعني قوله: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) - متضمنةً لمعنى الإخلاص؛ لأن المقصود الأولى من الذبح ذكرُ اسم الله، ولا ارتياب أن الذكر لا يكونُ معتداً به إذا كان مشوباً بشيء من الرياء، ولذلك قال: "أي: يذبحوا لوجهه على وجه التقرب" جعل قوله: (فَلَهُ أَسْلِمُوا) المفيد للإخلاص منطوقاً ومفهوماً مسبباً عنها، ولما أُريد مزيدُ الحض، والبعثُ على الأمر أوقع قوله: (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) في البين تمهيداً للثاني، وجعله مسبباً عن السابق، وسبباً للاحق، المصنفُ ما ذكر هذا التمهيد


الصفحة التالية
Icon