قلت: الأولى في محل النصب على الحال، والثانية لا محلّ لها لأنها معطوفة على (أهلكناها)، وهذا الفعل ليس له محل. قرأ الحسن: "معطلة"، من أعطله بمعنى عطله. ومعنى المعطلة: أنها عامرة فيها الماء، ومعها آلات الاستقاء، إلا أنها عطلت، أى: تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها. و"المشيد": المجصص أو المرفوع البنيان. والمعنى: كم قرية أهلكنا؟ وكم بئر عطلنا عن سقاتها؟ وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه؟ فترك ذلك لدلالة "معطلة" عليه. وفي هذا دليل على أنّ (عَلى عُرُوشِها) بمعنى «مع» أوجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هذا الفعل ليس له محل)، قال بعضهم: لأنه استئنافٌ تقديره: أهلكنا كثيراً من القُرى أهلكناها إضماراً على شريطة التفسير، هذا إذا كان "كأين" منصوبَ المحل، فأما إذا كان مرفوع المحل على الابتداء، فـ (أَهْلَكْنَاهَا) في محل الجر، لأنها صفة (قَرْيَةٍ)، وهذه الجملة أيضاً؛ لأنها معطوفةٌ على تلك، كما ذكر في المتن.
قوله: (و"المشيد": المجصصُ أو المرفوعُ البُنيان)، قال الزجاجُ: أكثر ما جاء في (مُشَيَّدَ) في التفسير: مجصص، والشيد: الجص، والكلسُ أيضاً: شيد، وقيل: مشيد: محصنٌ مرتفعٌ في سُمكه، والمشيد: إذا قيل: مجصصٌ فهو مرتفعٌ في قدره وإن لم يرتفع في سمكه، وأصلُ الشيد: الجصُّ والنورةُ، وكل ما بُني بهما أو بأحدهما فهو مشيد. يعني: إذا قيل للبناء المرتفع: مشيد، كان كنايةً.
قوله: (وفي هذا دليلٌ على أن (عَلَى عُرُوشِهَا) بمعنى "مع" أوجهُ)، يعني: تفسيرنا قوله: (فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) خالية مع بقاء عروشها وسلامتها أولى من تفسيرنا أنها ساقطةٌ؛ ليناسب قوله: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ)؛ لأن المراد: أخليناه عن ساكنيه