لا يتعايا عليه شيء إذا أراده، وهو أبلغ في الإيعاد، من قوله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَاتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)] الملك: ٣٠ [. فعلى العباد أن يستعظموا النعمة في الماء ويقيدوها بالشكر الدائم، ويخافوا نفارها إذا لم تشكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذهاب، أي: ذهابٌ لا يكتنهُ كنهه ولا يقادر قدره، بحيثُ إن تُصورَ أن ينقلب الماءُ إلى ضده، لجاز ذلك، كقوله تعالى: (يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) [الدخان: ١٠].
قال المصنف: إن قريشاً لما استعصت على رسول الله ﷺ دعا عليهم بالجدب، فأصابهمُ الجهدُ، وكان يرى الرجل بين السماء والأرض الدخان. ومنه قولُ المعري:

القاتل المحل إذ تبدو السماء لنا كأنها من نجيع الجدب في أزر
وهو المراد من قوله: فهو قادرٌ على رفعه وإزالته"، وهذه المبالغة يقتضيها مقامُ الإيعاد العظيم؛ لأن الآية مسوقةٌ بعد تعداد نعمتي الأنفس والآفاق، واستجلاب الشكر لها، والتحذير من كُفرانها، ولذلك أكد الجملة بأنواع من المؤكدات، حيثُ جيء بها اسميةً مصدرةً بأن مؤكدةً باللام، وقدم المعمول على العامل، وأتى بصيغة الكبرياء والعظمة وهي ضمير الجماعة، وبالجارة الدالة على الاستصحاب، أي: يأخذ الله معه ويمسكه عنده، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، ولما تضمنت الآية هذه الاعتبارات قال: "هو أبلغ في الإيعاد من قوله تعالى: (إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً) [الملك: ٣٠] "، لأن غور الماء بنفسه ليس كإذهاب الله تعالى إياه وأنها خليةٌ عن المؤكدات، وأنها مسندٌ فيها الغور إلى الماء المضاف إليهم، ومقيد بأصبح، وهو للانتقال هنا، وليس تنكيرُ غوراً كتنكير ذهاب؛ لأنه للجنس، وهو ما يعلمه كل أحدٍ أن الغور ما هو، وهذا للنوع كما مر.
ولم أقل: إن الشرط فيها يدلُّ على الفرض والتقدير، لويس في هذه، لأن كلتا الجملتين واردةٌ للإيعاد، فلا وقوع إذن، نعم، دلالةُ هذه على تقدير وقوعها أبلغ.
قوله: (لا يتعايا عليه شيء)، الجوهري: أعيا عليه الأمرُ، وتعيا وتعايا: بمعنى، وعييتُ بأمري: إذا لم تهتد لوجهه، وأعياني.


الصفحة التالية
Icon