[الكهف: ٣١]، فمدح الثواب ومكانه، كما قال: (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف: ٢٩] فذم العقاب ومكانه؛ لأنّ النعيم لا يتم للمتنعم إلا بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد والشهوة، وإلا تنغص، وكذلك العقاب يتضاعف بغثاثة الموضع وضيقه وظلمته وجمعه لأسباب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من جهة تنكيره، أي: جزاءً موفراً لا يدخل تحت الوصف، وإردافه بقوله: ﴿وَمَصِيرًا﴾ أي: مصيراً لا يقادر قدره، فالجزاء هنا كالثواب في تلك الآية، والمصير كالمرتفق، واجتماعهما كالتتميم لما يتم به ما يطلب من المكان من الترفه والتنعم. قال القاضي: إضافة الجنة إلى الخلد للمدح، أو للدلالة على خلودها، أو التمييز عن جنات الدنيا.
قوله: (فذم العقاب ومكانه)، يعني: قدم قوله تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا﴾ الآية على قوله: ﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾ الآية: ليؤذن بأن النعم لا يتم إلا بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد، فلذلك ذكر المصير مع الجزاء، وأن العقاب يتضاعف بضيق الموضع وظلمته وجمعه لأسباب الاجتواء، ولذلك ذكر ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا﴾ وذكر ﴿مَكَانًا ضَيِّقًا﴾، ولعل قوله: "فلذلك ذكر المصير مع ذكر الجزاء" واردٌ على الإبهام شمل الجزاءين والمصيرين، فظهر أن هذه الآية مقابلةٌ لتلك الآيات، يدل عليه قوله تعالى: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ﴾، فإن المشار إليه العقاب والمكان الضيق، وتسميته بالخير للتهكم والسخرية، ليزيد في غيظهم، أو أن ثواب العدو وتنعمه سببٌ لتغيظ العدو وتحسره.
قوله: (بغثاثة الموضع)، الأساس: حديثكم غث، وسلاحكم رثٌ، وأغث فلانٌ في كلامه: إذا تكلم بما لا خير فيه، وسمعت صبياً من هذيلٍ يقول: غثت علينا مكة، فلا XXXX من الخروج.