التفضل بالنعمة والتمتيع بها، وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة. فشرحوا الإضلال المجازى الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله: (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) [الرعد: ٢٧]، ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا: بل أنت أضللتهم. والمعنى: أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق؟ أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟ وضل: مطاوع أضله، وكان القياس: ضل عن السبيل، إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في هداه الطريق. والأصل: إلى الطريق، وللطريق. وقولهم: أضلّ البعير، في معنى: جعله ضالا، أى: ضائعا، لما كان أكثر ذلك بتفريط من صاحبه وقلة احتياط في حفظه، قيل: أضله، سواء كان منه فعل أو لم يكن (سُبْحانَكَ) تعجب منهم، قد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه. أو نطقوا بـ (سُبْحَانَكَ)؛ ليدلوا على أنهم المسبحون المتقدّسون الموسومون بذلك، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده. أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد، وأن يكون له نبىّ أو ملك أو غيرهما ندّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فشرحوا الإضلال المجازي)، يعني: قوله: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الرعد: ٢٧] مجملٌ لما علم، بدليل الحسن والقبح العقليين أنه لا يجوز إسناد الإضلال الله، وإسناده إليه تعالى على المجازي، ولابد من بيان العلاقة، وبيانها ما يعلم من قول المعبودين هاهنا: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ فبينوا أن العلاقة هي تمتعهم بالنعم المؤدي إلى البطر والطغيان.
قوله: (وقولهم: أضل البعير)، متصلٌ بقوله: "الإضلال المجازي: الذي أسنده الله إلى ذاته"، يعني: أن العرب أيضاً تقول: أضل البعير، في معنى: جعله ضالاً، فإن أحداً لا يتحرى في إضلال بعيره، لكن إذا أهمل في حفظه كأنه تسبب في إضلاله، فأسندوا الإضلال إليه على المجاز، وإذا جاز إسناد الفعل إلى غير الفاعل بهذه الملابسة الضعيفة، فلأن يجوز الإسناد إليه بالتمتيع أولى، وإليه أومى بقوله: "سواءٌ كان معه فعلٌ أو لم يكن"، والجواب ما نقلناه عن صاحب "الفرائد".


الصفحة التالية
Icon