وهذا الفعل أعني «اتخذ» يتعدى إلى مفعول واحد، كقولك: اتخذ وليا، وإلى مفعولين كقولك اتخذ فلانا وليا. قال الله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) [الأنبياء: ١]، وقال (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا) [النساء: ١٢٥] فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد؛ وهو (مِنْ أَوْلِياءَ)، والأصل: أن نتخذ أولياء، فزيدت (مِنْ) لتأكيد معنى النفي، والثانية من المتعدي إلى مفعولين؛ فالأول ما بني له الفعل، والثاني: (مِنْ أَوْلِياءَ)، و (مِنْ) للتبعيض، أى: لا نتخذ بعض أولياء. وتنكير (أَوْلِياءَ) من حيث أنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام والذكر: ذكر الله والإيمان به. أو القرآن والشرائع. والبور: الهلاك، يوصف به الواحد والجمع. ويجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوكلاء، كذا في الآية: ما نتخذ نحن من دونك ما يقع عليه اسم الولاية، فإن الولي قد كان معبوداً وناصراً ومالكاً مخدوماً، بخلاف قول الزجاج: ما اتخذت أحداً من ولي، فإن فيه العموم في المفعول الأول والثاني، فإذن لا حاجة إلى جعل "من" تبعيضاً.
بقي على المصنف سؤال آخر، وهو أن "من" إذا كان للتبعيض، فلم نكن أولياء، لأن المعنى: ما صح للكفار أن يتخذونا من دونك بعض أوليائهم؟ وأجاب: أن القائلين الملائكة والأنبياء، فتعين أن يكون الباقي الجن والأصنام، لأن المعبودين منحصرون في هؤلاء، يدل عليه قوله فيما سبق. ويجوز أن يكون المعبودون عاماً، قال السجاوندي: تقول: اتخذته من أوليائي، وحسبته من أصفيائي، والمعنى: ما ينبغي لنا أن نحسب من بعض ما يقع عليه اسم الولاية، فضلاً من الكل، فإن الولي قد يكون معبوداً ومالكاً ومخدوماً. أو التقدير: نتخذ معبودين من أولياء، أي: من جهة أولياء، فحذف مفعول الاتخاذ معهودٌ، ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة: ٥١].
قوله: (والبور: الهلاك)، أي: هو مصدرٌ يستوي في الوصف به الواحد والجمع، والتثنية والتذكير والتأنيث، وأنشد صاحب "المطلع" للزبعري يمدح النبي - ﷺ -: