(نُزِّلَ) هاهنا بمعنى أنزل لا غير، كخبر بمعنى أخبر، وإلا كان متدافعا. وهذا أيضا من اعتراضاتهم واقتراحاتهم الدالة على شرادهم عن الحق وتجافيهم عن اتباعه. قالوا: هلا أنزل عليه دفعة واحدة في وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة، وماله أنزل على التفاريق. والقائلون: قريش. وقيل: اليهود. وهذا فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته، لأنّ أمر الإعجاز والاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو مفرّقا. وقوله: (كَذلِكَ) جواب لهم، أى: كذلك أنزل مفرّقا. والحكمة فيه: أن نقوّى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه، لأنّ المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شيء، وجزأ عقيب جزء. ولو ألقى عليه جملة واحدة لبعل به وتعيا بحفظه، والرسول ﷺ فارقت حاله حال موسى وداود وعيسى، حيث كان أمياً لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإلا كان متدافعاً)، أي: مدفوعاً بجملةٍ واحدة، يعني: أنهم اعترضوا أن القرآن لم فرق نزوله، ولم ينزل جملةً واحدةً؟ فلو ذهبت إلى قولك: هلا فرق نزلوه جملةً واحدةً؟ لوقعت في التناقض.
عن بعضهم: ﴿نُزِّلَ﴾: على التفريق، بخلاف "أنزل"، وهاهنا بمعنى واحد، كقوله تعالى: ﴿أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الكهف: ١]، وهذا من التقاص والتعريض، كما في "عسى" و"كاد" في إثبات "أن" وحذفها.
قوله: (فضولٌ من القول)، فضولٌ: جمع فضل، غلب على ما لا خير فيه، يخالف الجمع الواحد في قولهم: له فضلٌ، وفي فضول.
قوله: (لبعل به)، بكسر العين. الأساس: بعل بالأمر: إذا عي به.
الراغب: قيل لفحل النخل: بعل، تشبيهاً بالبعل من الرجال، واستبعل النخل: عظم وتصور من البعل الذي هو النخل قيامه في مكانه، فقيل: بعل فلانٌ بأمره، إذا أدهش وثبت في مكانه ثبات النخل في مكانه، كقولهم: ما هو إلا شجرٌ، فيمن لا يبرح.


الصفحة التالية
Icon