وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم، لعلمتم أن مكانكم شر من مكانه وسبيلكم أضل من سبيله. وفي طريقته قوله: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) الآية [المائدة: ٦٠]. ويجوز أن يراد بالمكان: الشرف والمنزلة، وأن يراد الدار والمسكن، كقوله: (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم: ٧٣]. ووصف السبيل بالضلال من المجازى الحكمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإشراك بالله، وما هم عليه من الأفعال والأحوال، فعلى هذا التقدير: هم الذين يحشرون على وجوههم، و"هم" يرجع إلى الضمير في ﴿يَاتُونَكَ﴾، ويمكن أن يكون ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ﴾ بدلاً من الضمير في ﴿يَاتُونَكَ﴾، و ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا﴾: كلامٌ مستأنفٌ، والمراد من قوله: ﴿شَرٌّ﴾ و ﴿وَأَضَلُّ﴾ الكمال والكل كما مر، والله الهادي.
قلت: هذا التأويل إنما يحسن إذا حمل المكان على الشرف والمنزلة، ويحمل ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ﴾ منصوباً أو مرفوعاً على الذم كما قال القاضي، و ﴿أُولَئِكَ﴾: جملةٌ مستأنفةٌ تسلياً لرسول الله - ﷺ -. المعنى: ولا يأتونك بحالٍ أو صفةٍ عجيبةٍ يريدون بذلك حط منزلتك عند الناس إلا أعطيناك نحن من الأحوال والرفعة ما هو أحسن تكشيفاً، كقوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤]، فلا تبال بهم ولا بكيدهم، أعني الذين يحشرون على وجوههم منكوبين مخذولين امتهاناً بهم أولئك شرٌ منزلةً، وأضل سبيلاً.
قوله: (كقوله تعالى: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا﴾، وجه التشبيه: يجوز أن يكون من حيث الدار والمسكن، وأن يكون من حيث الشرف والمنزلة، والمعنى: إن نظرتم بعين الإنصاف وحالكم أنكم تسحبون على وجوهكم إلى جهنم ذليلين مهانين، وحال المؤمنين بخلاف ذلك، لعلمتم الآن أن مكانكم أبلغ في الشر من مكان المؤمنين، كما تزعمون أن مقامكم خيرٌ من مقامهم ونديكم أحسن من نديهم.
قوله: (من المجاز الحكمي)، من المجاز الذي يتعلق بحكم الكلام لا باللفظ"، يعني: أن الحكم معدى من مكانه الأصلي إلى غيره، كما تقول: أنبت الربيع البقل، فإن حكم


الصفحة التالية
Icon