[(وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً)].
كأنهم كذبوا نوحا ومن قبله من الرسل صريحا. أو كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيب للجميع أو لم يروا بعثة الرسل أصلا كالبراهمة (وَجَعَلْناهُمْ)، وجعلنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبدأ بقصة موسى وفرعون مجملاً، وثنى بقصة نوح، وثلث بعادٍ، ثم أجمل بقوله: ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾.
قوله: (أو لم يروا بعثة الرسل أصلًا)، التعريف في قوله: ﴿كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ إما للعهد، والمراد: رسلٌ مخصوصون، فهو المراد من قوله: "كذبوا نوحاً من قبله"، وإما لاستغراق الجنس، فهو المراد من قوله: "تكذيبهم لواحد منهم تكذيبٌ للجمع"، وذلك أن لكل فردٍ من أفراد تلك الحقيقة حكم الجميع، فمن كذب واحداً لزم منع تكذيب الجميع، لأن وجه دلالة المعجز على الصدق مشتركٌ فيهم، وعليه قوله تعالى: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]، وإما للجنس، وهو المراد من قوله: "أو لم يروا بعثة الرسل أصلاً"، أي: كذبوا هذا الجنس المسمى بالرسل، كقولهم: فلانٌ يركب الخيل، وما له إلا فرسٌ واحد. والوجه الثاني والثالث: كنايتان متقابلتان لما يلزم في الثاني من تكذيب نوح تكذيب الرسل قاطبةً، ومن الثالث عكسه، والفرق بين الوجه الثاني والثالث: هو أن التكذيب في الثاني تابعٌ للوصفية حيثما وجدت ترتب عليها التكذيب وفي الثالث تابع للماهية، والله أعلم.
قوله: (كالبراهمة)، قيل: هم قومٌ لا يجوزون على الله بعثة الرسل، والبرهمة: إدامة النظر، وسكون الطرف، وبرهم: إذا فتح عينيه وأحد النظر. قال الشهر ستاني صاحب "الملل والنحل": الهند أمةٌ كبيرة، وآراؤهم مختلفةٌ، والبراهمة انتسبوا إلى رجلٍ منهم يقال له برهام، قد مهد لهم نفي النبوات أصلاً، وقرر استحالة ذلك في العقول.


الصفحة التالية
Icon