كما تقول: علمت منطلقا زيدا: لفضل عنايتك بالمنطلق. فإن قلت: ما معنى ذكر الأكثر؟ قلت: كان فيهم من لم يصدّه عن الإسلام إلا داء واحد: وهو حب الرياسة، وكفى به داء عضالا. فإن قلت: كيف جعلوا أضل من الإنعام؟ قلت: لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها، وتهتدى لمراعيها ومشاربها. وهؤلاء لا ينقادون لربهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوّهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشدّ المضارّ والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهنىّ والعذب الروي.
[(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً)].
(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ): ألم ننظر إلى صنع ربك وقدرته؟ ومعنى مدّ الظل: أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والعذب الروي)، أي: المروي: وهو من الإسناد المجازي، لأن الروي في الحقيقة: الريان، وهو الرجل، وهو فعيلٌ بمعنى مفعل، كالحكيم بمعنى المحكم في أحد الأقوال. الأساس: وماءٌ رواءٌ ورويٌ: وللوارد فيه: ريٌ. ورويت على أهلي، ورويت لهم ورويتهم: استقيت لهم، ومن المجاز: سحاب روي: عظيم القطر، وكأس روية.
قوله: (ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته؟ )، قال القاضي: أصله: ألم تنظر إلى الظل كيف مده ربك، فغير النظم إشعاراً بأن المعقول لوضوح برهانه، وهو دلالة حدوثه وتصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة، وأن ذلك فعل الصانع الحكيم، كالمحسوس المشاهد المرئي، أو لم ينته علمك إلى أن ربك كيف مد الظل، وذلك فيما بين طلوع الفجر، وهو أطيب الأحوال، فإن الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسد النظر، وشعاع الشمس يسخن الجو، ويبهر المبصر ولذل وصف به الجنة فقال: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ [الواقعة: ٣٠].


الصفحة التالية
Icon