والمراد: أن الكفار يجدون ويجتهدون في توهين أمرك، فقابلهم من جدك واجتهادك وعضك على نواجذك بما تغلبهم به وتعلوهم، وجعله جهادا كبيرا لما يحتمل فيه من المشاق العظام. ويجوز أن يرجع الضمير في (بِهِ) إلى ما دل عليه: (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) من كونه نذير كافة القرى؛ لأنه لو بعث في كل قرية نذيرا لو جبت على كل نذير مجاهدة قريته، فاجتمعت على رسول الله ﷺ تلك المجاهدات كلها، فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم، فقال له: (وَجاهِدْهُمْ) بسبب كونك نذير كافة القرى (جِهاداً كَبِيراً): جامعا لكل مجاهدة.
[(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً)].
سمى الماءين الكثيرين الواسعين: بحرين. والفرات: البليغ العذوبة حتى يضرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأنفس قائلاً: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾، ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا﴾، ثم أعاد قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾، وههنا نكتةٌ شريفة، وهي أنه تعالى لما خص ذكر النذير في الفاتحة أمسك عن ذكر المؤمنين، وحين قرنه بالبشير في هذه الآية أتى بذكر الفريقين، أعني: ﴿قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾، ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾، لتكون الخاتمة مشتملةً على ذكر الأولياء فلا تخلو السورة من ذكرهم، والله أعلم.
قوله: (وعضك على نواجذك)، الأساس: ومن المجاز: عض على ناجذه: إذا بلغ أشده واستحكم، وعض في العلم وغيره بناجذه: إذا أتقنه. وعن بعضهم: عض ناجذه على كذا: جد فيه مستنفداً وسعه. النواجذ: أضراس الحلم، لأنه ينبت بعد البلوغ.
قوله: (فقال له: ﴿وَجَاهِدْهُمْ﴾ بسبب كونك نذير كافة القرى)، فيه دلالةٌ على عظم منزلته، وجلالة قدره، قال:
فإن الهموم بقدر الهمم
قوله: (والفرات: البليغ العذوبة)، سمي بالفرات، لأنه يفرت العطش، أي: يكسر