[(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)].
قرئ: (يَقْتُرُوا) بكسر التاء وضمها، و: (يُقتِروا) بتخفيف التاء وتشديدها. والقتر والإقتار والتقتير: التضييق الذي هو نقيض الإسراف. والإسراف: مجاوزة الحدّ في النفقة. ووصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير، وبمثله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء: ٢٩]. وقيل: الإسراف إنما هو الإنفاق في المعاصي، فأما في القرب فلا إسراف. وسمع رجل رجلا يقول: لا خير في الإسراف. فقال: لا إسراف في الخير. وعن عمر بن عبد العزيز: أنه شكر عبد الملك بن مروان حين زوّجه ابنته وأحسن إليه، فقال: وصلت الرحم وفعلت وصنعت، وجاء بكلام حسن، فقال ابن لعبد الملك: إنما هو كلام أعدّه لهذا المقام، فسكت عبد الملك، فلما كان بعد أيام دخل عليه والابن حاضر، فسأله عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غَرَامًا}، وكونهما مترادفين أن يكونا تعليلين لقوله: ﴿رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾، قال الإمام: كلاهما يمكن أن يكون ابتداء كلام الله، ويمكن أن يكون حكايةً لقولهم، فقوله: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ إشارةً إلى كونها مضرةً خالصةً عن شوائب النفع.
وقوله: ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ إشارةٌ إلى كونها دائمةً، والفرق بين المستقر والمقام فإن المستقر للعصاة من أهل الإيمان، فإنهم يستقرون فيها ولا يقيمون، والإقامة للكفار.
قوله: (قرئ: ﴿يَقْتُرُوا﴾، بكسر التاء وضمها)، نافعٌ وابن عامر: "ولم يقتروا" بضم الياء وكسر التاء، من الإقتار، وابن كثيرٍ وأبو عمرو: بفتح الياء وكسر التاء، والباقون: بفتح الياء وضم التاء.