بالكرم وينبه على أنه ما أنبت شيئا إلا وفيه فائدة، لأنّ الحكيم لا يفعل فعلا إلا لغرض صحيح ولحكمة بالغة، وإن غفل عنها الغافلون، ولم يتوصل إلى معرفتها العاقلون. فإن قلت: فحين ذكر الأزواج ودلّ عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة، وكانت بحيث لا يحصيها إلا عالم الغيب، كيف قال: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً)؟ وهلا قال: آيات؟ قلت: فيه وجهان: أن يكون ذلك مشارا به إلى مصدر (أَنبَتْنَا)، فكأنه قال: إن في الإنبات لآية أىّ آية. وأن يراد: أن في كل واحدة من تلك الأزواج لآية. وقد سبقت لهذا الوجه نظائر.
[(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ)].
سجل عليهم بالظلم بأن قدّم القوم الظالمين، ثم عطفهم عليهم عطف البيان، كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون، وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد: إن شاء ذاكرهم عبر عنهم بالقوم الظالمين، وإن شاء عبر بقوم فرعون. وقد استحقوا هذا الاسم من جهتين: من جهة ظلمهم أنفسهم بكفرهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إلا لغرضٍ صحيح)، وعن بعضهم: الغرض من الغرضة، وهي العقدة، كما سميت الحاجة حاجةً وهي الشوكة، والله تعالى يتعالى عن ذلك، لأنهما ما لم يقضيا تكون عقدةً في قلب الطالب والمحتاج.
قوله: وقد سبقت لهذا الوجه نظائر)، ونظيره في هذه السورة قوله تعالى: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦]، أي: كل واحدٍ منا، ومنه قولهم: دخلنا على الأمير فكسانا حلةً، أي: كل واحدٍ منا.
قوله: (وقد استحقوا هذا الاسم من جهتين)، يعني: إنما سموا بالظالمين وصار كاللقب لهم، لما عهد منهم ظلمهم أنفسهم ولبني إسرائيل، فجئ بقوله: ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ كشفاً لذلك المعنى، وتشديداً لذلك الاسم، كما أن الحق إنما يثبت على الغريم بتاً إذا كتب الصك وسجل عليه، وإليه الإشارة بقوله: "سجل عليهم بالظلم".