الخاصة، ليعرّفه أنه ليس بشيء مما شوهد وعرف من الأجرام والأعراض، وأنه شيء مخالف لجميع الأشياء، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى: ١١]؛ وإما أن يريد به: أى شيء هو على الإطلاق، تفتيشا عن حقيقته الخاصة ما هي، فأجابه بأنّ الذي إليه سبيل وهو الكافي في معرفته معرفة ثباته بصفاته، استدلالا بأفعاله الخاصة على ذلك. وأمّا التفتيش عن حقيقته الخاصة التي هي فوق فطر العقول، فتفتيش عما لا سبيل إليه، والسائل عنه متعنت غير طالب للحق. والذي يليق بحال فرعون ويدل عليه الكلام: أن يكون سؤاله هذا إنكارا لأن يكون للعالمين رب سواه؛ لادعائه الإلهية، فلما أجاب موسى بما أجاب، عجب قومه من جوابه؛ حيث نسب الربوبية إلى غيره، فلما ثنى بتقرير قوله، جننه إلى قومه وطنز به، حيث سماه رسولهم. فلما ثلث بتقرير آخر: احتدّ واحتدم وقال: (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَهًا غَيْرِي) [الشعراء: ٢٩]، وهذا يدل على صحة هذا الوجه الأخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بنفسه سوى أجناس الأجسام، كأنه قال: أي أجناس الأجسام هو؟ وحين كان موسى عليه السلام عالماً بالله عز وجل، أجاب عن الوصف تنبيهاً على النظر المؤدي إلى العلم، وهو المراد من قول المصنف: "فأجاب بما يستدل به عليه من أفعاله الخاصة، ليعرفه أنه ليس بشيءٍ مما شوهد وعرف من الأجرام"، أراد أن الجواب من الأسلوب الحكيم، أرشده بقوله: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ إلى طريق المعرفة وتحصيل الإيقان، يعني: من تكون هذه الأجرام العظام مربوبة ومخلوقة، وهو مالكها ومدبر أمرها، لا يكون هو من جنسها.
قوله: (وهو الكافي في معرفته)، أي: هذا القدر من المعرفة كافٍ للمسترشد دون المعاند المتعنت، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١].
قوله: (واحتدم)، الجوهري: احتدمت النار: التهبت، واحتدم صدر فلانٍ غيظاً، وقيل: يومٌ محتدمٌ: شديد الحر، واحتدم الدم: اشتدت حمرته حتى يسود.