في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستو من أظهر ما استدل به؛ ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الله، عن الاحتجاج بالإحياء والإماتة على نمروذ بن كنعان، فبهت الذي كفر. وقرئ: (رَبُّ المَشَارِقِ والْمَغَارِبِ)، (الذي أَرسل إليكم) بفتح الهمزة. فإن قلت: كيف قال أوّلا: (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) وآخرا: (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)؟ قلت: لاين أوّلا، فلما رأى منهم شدّة الشكيمة في العناد وقلة الإصغاء إلى عرض الحجج خاشن وعارض "إنّ رسولكم لمجنون"، بقوله: (إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ).
[(قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)].
فإن قلت: ألم يكن: لأسجننك، أخصر من (لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) ومؤديا مؤداه؟ قلت: أما أخصر فنعم. وأما مؤدّ مؤدّاه فلا، لأنّ معناه: لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني. وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوّة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فردا لا يبصر فيها ولا يسمع، فكان ذلك أشدّ من القتل وأشدّ.
[(قالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ* قالَ فَاتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال صاحب "المفتاح": ومن التغليب: الخافقان، للمشرق والمغرب ويؤيده ما في "المغرب" عن الأزهري: خفق النجم: إذا غاب، ومنه: الخافقان، للمشرق والمغرب.
قوله: (لاين أولاً)، إلى قوله: "خاشن وعارض". قال الإمام: أراد بقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾: إن كنت من العقلاء وعرفت أن لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرت، لأنك طلبت تعريف حقيقته، وقد أرشدتك أنه لا يمكن.


الصفحة التالية
Icon