ومن العجب أن مثل فرعون لم يخف عليه هذا، وخفي على ناس من أهل القبلة؛ حيث جوّزوا القبيح على الله تعالى حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات! وتقديره: إن كنت من الصادقين في دعواك أتيت به، فحذف الجزاء، لأن الأمر بالإتيان به يدل عليه.
[(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ)].
(ثُعْبانٌ مُبِينٌ): ظاهر الثعبانية، لا شيء يشبه الثعبان، كما تكون الأشياء المزوّرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ومن العجب أن مثل فرعون لم يخف عليه [هذا]، وقد خفي على ناسٍ من أهلٍ القبلة، حيث جوزوا القبيح على الله عز وجل حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات)، قال صاحب "الانتصاف": هذا تعريضٌ بتفضيل فرعون على أهل السنة، وحكمٌ على القدرية أن فيهم نصيباً من الفراعنة، إذ كل أحدٍ يزعم أنه خالقٌ ومبدعٌ لأفعاله، وجحودٌ على الله تعالى أن يفعل إلا ما واطأ عقولهم، وأنه حسنٌ في الشاهد.
وقلت: المصنف بنى كلامه على الحسن والقبح العقليين، ثم شنع على أهل السنة، ولا يلزم من قولهم: يفعل الله ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأنه لا يوجد شيءٌ في الكائنات إلا بإرادته ومشيئته: تصديق الكاذبين بالمعجزات، لأنه ظهر وعلم بالاستقراء أنه تعالى ما حكم ولا أرد تصديق الكاذبين بالمعجزات، ولهذا قطع الأصحاب بأن سنة الله جرت على أن لا يظهر المعجزة على يد الكاذب.
هذا، وإن تفسيره لقوله: ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ يخالف جعله ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ﴾ حالاً وتقريراً للعطف الذي ذهبنا إليه، لأن الكلام على الحال في السجن، لا في إثبات النبوة، وتصديقه بالمعجزة، والله تعالى أعلم.
قوله: (لا شيءٌ يشبه الثعبان)، توكيدٌ لقوله: "ظاهر الثعبانية"، لأن الله تعالى حمل "ثعبانٌ" على ضمير العصا، فيتوهم أنه مثل: زيدٌ هو أسدٌ، فأزال التوهم بقوله: "لا شيءٌ يشبه الثعبان"، يدل عليه قوله: ﴿مُبِينٍ﴾.


الصفحة التالية
Icon