واختار جمع السلامة الذي هو للقلة، وقد يجمع القليل على أقلة وقلل. ويجوز أن يريد بالقلة: الذلة والقماءة، ولا يريد قلة العدد. والمعنى: أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج، سارعنا إلى حسم فساده، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن، لئلا يظنّ به ما يكسر من قهره وسلطانه......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد يكون مبالغةً للصوق الصفة بالموصوف وتناهيه فيها، كقولك: "معًي جياعاً"، وههنا الأصل: "لشرذمةٌ قليلة"، كقوله تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩]، لتناهيهم في القلة، ويبقى نظرٌ، فإن هذا المعنى هل ينفي الوجوه الأربعة، أو يذهب منها شيئاً؟ فتأمله.
قال صاحب "الإنصاف": ينبغي أن لا يسقط منها شيئاً، إذ هو مبالغةٌ في أحدها، وهو وصفهم بالقلة.
قلت: بل هو عين ما قال المصنف: "ثم جمع القليل فجعل كل حزبٍ منهم قليلاً"، واستشهد بقوله: "ثوبٌ شراذم"، كما أن القائل جعل كل جزءٍ من أجزاء المعي خالياً من الغذاء، صفراً من الطعام، مبالغةً في الجوع. قال صاحب "الكشف": جمع "قليلاً" بالواو والنون، لموافقة رؤوس الآي، وإن أفردها جاز، لأن لفظ "الشرذمة" مفردٌ.
قوله: (والقماءة)، الأساس: وقد قمؤ قماءةً وقميء قمأً، إذا ذل وصغر في الأعين.


الصفحة التالية
Icon