عقب ذلك هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى كلّ ما يصلحه ويعنيه، وإلا فمن هداه إلى أن يغتذى بالدم في البطن امتصاصا؟ ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة؟ وإلى معرفة مكانه؟ ومن هداه لكيفية الارتضاع؟ إلى غير ذلك من هدايات المعاش والمعاد، وإنما قال: (مَرِضْتُ) دون "أمرضني"؛ لأنّ كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك. ومن ثم قالت الحكماء: لو قيل لأكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقوله: ﴿رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ والفاء في ﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾: للتعقيب لا للتسبيب، كما يلزم من كلامهما، ويعضده (ثم) في قوله: ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾، لأنها للتراخي في الزمان كما أن تلك الفاء لغير التراخي لتقابلهما.
قوله: (عقب ذلك هدايته المتصلة)، يعني: عطف ﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ بالفاء- وهو جملةٌ من اسمٍ وفعلٍ مضارع- مفيدٌ لمعنى الاستمرار، وفي هذا المقام على ﴿خَلَقْتَنِي﴾ وهو ماضٍ، ليدل على الاتصال الذي لا ينقطع، وإليه أشار بقوله: "فمن هداه إلى معرفة الثدي" إلى قوله: "من هدايات المعاش والمعاد" وإلى دار القرار: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ [يونس: ٩]، وعل هذا العموم ينبغي أن يحمل على ﴿يَهْدِيَنِ﴾، لا على المتعارف، وإلا فما معنى قوله: "فمن هداه" إلى آخره؟ ونحوه قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] على معنى: أعطى خليقته كل شيءٍ يحتاجون إليه، ويرتفقون به، ثم عرفهم كيف يرتفعون بما أعطاهم وكيف يتوصلون إليه، و"ثم" في هذه الآية مثل الفاء فيما نحن فيه، وبين بها تفضيل الهداية على الإعطاء.
قوله: (لأن كثيراً من أسباب المرض يحدث بتفريطٍ من الإنسان)، وفي معناه أنشد صاحب "المطلع":



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
عدوك من صديقك مستفادٌ فلا تستكثرن من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب