وهذا أيضا من نحو استغفارهم مما علموا أنه مغفور وفي (يُبْعَثُونَ) ضمير العباد، لأنه معلوم. أو ضمير (الضَّالِّينَ). وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه، يعني: ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا﴾ [المائدة: ٣٣]- وأخزى يقال منهما، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] يحتملهما.
قوله: (وهذا أيضاً من نحو استغفارهم مما علموا أنه مغفورٌ)، ردٌ إلى قوله: "أن استغفار الأنبياء عليهم السلام تواضعٌ منهم، وهضمٌ لأنفسهم"، يعني: أن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن الذنوب التي تستوجب الاستغفار، لكن استغفارهم لأنفسهم تواضعٌ منهم، ولغيرهم من الضلال إيذانٌ بما علموا أن ذلك الغير مغفورٌ كما في قوله: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾، فإنه عليه الصلاة والسلام ما قال: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي﴾ إلا بعدما ظن أنه خارجٌ من زمرة الضالين منخرطٌ في سلك المغفورين، ولذلك قال: ﴿كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾، لأن قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ [التوبة: ١١٤] تفسيرٌ لهذه الآية. قال القاضي: إن كان هذا الدعاء بعد موته فلعله كان لظنه أنه كان يخفي الإيمان تقيةً من نمرود، ولذلك وعده به، أو لأنه لم يمنع بعد من الاستغفار للكفار.
قوله: (وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه)، عطفٌ تفسيريٌ على قوله: "أو: ضمير الضالين"، يعني: إذا جعل الضمير في ﴿يُبْعَثُونَ﴾ للعباد يكون قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ من جملة الأدعية السابقة مستقلةً بنفسها، معطوفةٌ عليها كما سبق، وإذا جعل الضمير للضالين يكون من تتمة الاستغفار لأبيه عطفاً على قوله: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي﴾ فحسب، والأول أوفق، لأن قوله: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾ بدلٌ من قوله: ﴿يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾، وهو عامٌ في الضالين وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon