فكأنه قيل: تلك الآيات آيات المنزل المبارك؛ وآي كتاب مبين.
وقرأ ابن أبي عبلة: "وكتابٌ مبينٌ" بالرفع على تقدير: وآيات كتاب مبين، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين قوله: (الّر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ وقُرْآنٍ مُّبِينٍ) [الحجر: ١]؟ قلت: لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف والمعطوف عليه من التقدّم والتأخر، وذلك على ضربين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والثاني: قوله في الحجر: "والمعنى: "تلك آيات الكتاب الكامل" في كونه كتاباً، وآي قرآنٍ مبينٍ" على الاستفهام، وهو م عنى التفخيم في التنكير.
قوله: (بين هذا وبين قوله: ﴿آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ١]، أي: مطلع سورة الحجر.
قوله: (وذلك على ضربين)، يعني: التقديم يجيء لمعنيين:
أحدهما: جارٍ مجرى التثنية فقط، فلا يتفاوت المعنى فيهما، سواءٌ قدم في موضع وأخر في آخر، كما في نحو: ﴿حِطَّةٌ﴾ في الآيتين في الآيتين [البقرة: ٥٨، والأعراف: ٦١]. وقولك: "رجلان جاءا" لا ترجيح لمجيء أحدهما على الآخر. هذا هو معنى التثنية.
قال شارح "الهادي": الواو دلالتها على الجمع أقوى من دلالتها على العطف، فإنها قد تعدى عن العطف ولا تعرى عن معنى الجمع، وفي المختلفين بمنزلة التثنية، والجمع في المتفقين، وإذ لم يمكنهم التثنية في المختلفين فعدلوا إلى الواو.
ثانيهما: ما فيه رعاية الرتبة، كما في قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨]، فإن شهادة الله مقدمةٌ على شهادة الملائكة وأولي العلم، لأن شهادته كالأصل،


الصفحة التالية
Icon