المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات. وقيل: هي أعمال الخير التي وجب عليهم أن يعملوها: زينها لهم الله فعمهوا عنها وضلوا، ويعزى إلى الحسن. والعمه: التحير والتردّد، كما يكون حال الضال عن الطريق. وعن بعض الأعراب: أنه دخل السوق وما أبصرها قط، فقال: رأيت الناس عمهين، أراد: متردّدين في أعمالهم وأشغالهم. (سُوءُ الْعَذابِ) القتل والأسر يوم بدر. و (الْأَخْسَرُونَ): أشدّ الناس خسرانا، لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم، فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب الله.
[(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)].
(لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) لتؤتاه وتلقنه (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) مِنْ عند أىّ (حَكِيمٍ) وأىّ (عَلِيمٍ) وهذا معنى مجيئهما نكرتين. وهذه الآية بساط وتمهيد، لما يريد أن يسوق بعدها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: هي أعمال الخير)، هذا جوابٌ آخر عن السؤال مبنيٌ على المنع من أن إسناد هذا التزيين محظورٌ، و"هي" أي: الضمير راجعٌ إلى قوله تعالى: ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧].
قوله: (وتلقنه)، عن بعضهم: هو كما قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ [البقرة: ٣٧]، أي: تلقن. ومعنى يلقنه الكلمات: أن الله تعالى ألهمه التنصل لهفوته.
قوله: (وهذه الآية بساطٌ وتمهيدٌ)، أي: مجملٌ لما يأتي بعدها من التفصيل، وإن المفصل متضمنٌ للطائف حكمته ودقائق علمه. ومن لطائف حكمته اقتصاص ما مضى من الأمم السالفة، لنثبت بها نفسك، ونسليك مما يلحقك من المكاره ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [هود: ١٢٠] وأكمل القصص وأتمها قصة موسى عليه السلام.