إذا قوي رجاؤه: سأفعل كذا، وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة. فإن قلت: كيف جاء بسين التسويف؟ قلت: عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ، أو كانت المسافة بعيدة. فإن قلت: فلم جاء بأو دون الواو؟ قلت: بني الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا لم يعدم واحدة منهما: إمّا هداية الطريق، وإما اقتباس النار، ثقة بعادة الله؛ أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده، وما أدراه حين قال ذلك أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين جميعا؟ وهما العزّان: عز الدنيا، وعز الآخرة.
[(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)].
(أَنْ) هي المفسرة؛ لأنّ النداء فيه معنى القول. والمعنى: قيل له بورك. فإن قلت: هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وتقديره: نودي بأنه بورك. والضمير ضمير الشأن؟ قلت: لا، لأنه لا بدّ من (قَدْ). فإن قلت: فعلى إضمارها؟ قلت: لا يصح،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وما أدراه)، "ما" استفهاميةٌ متضمنةٌ للإنكار، وهو مبتدأ، و"أراه" الخبر، وضمير الفاعل راجعٌ إلى "ما"، أي: أي شيءٍ أعلمه حين قال: ﴿أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ﴾ "أنه ظافرٌ بحاجتيه الكليتين"؟ انظر أيها المتأمل إلى العناية الأبدية، فإنه عليه السلام طلب الدلالة على الطريق والنار لحاجة الأهل، ففاز بعز الدارين!
قوله: (لا يصح)، أي: لا يصح أن تكون مخففةً من الثقيلة، و"قد" مضمرة.
قال في "المفصل": والمفتوحة يعوض عما ذهب منها أحد الأحرف الأربعة: حرف النفي، وقد، وسوف، والسين، نحو: علمت أن لا يخرج زيد، وأن قد خرج، وأن سوف يخرج، وأن سيخرج.
قال صاحب "التقريب": وفيه نظر، لجواز ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ﴾ [النساء: ٩٠] بإضمار "قد"، و ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٣]، ويمكن تعسف فرقٍ.


الصفحة التالية
Icon