والإحاطة بالمعلومات الكثيرة، ابتلاء له في علمه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِين} [النمل: ١٦]، وأراد الله تعالى أن يثبته على هذا الشكر، ولا تؤديه تلك النعم إلى العجب والطغيان، ألهم الهدهد لمكافحته تهييجًا له وإلهاباً وابتلاءً وتنبيهًا.
وقريبٌ منه قوله تعالى في حق أفضل الخلق: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَاب﴾ إلى قوله: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٩٤) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ [يونس: ٩٤، ٩٥]، أي: دم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك والتكذيب بآيات الله.
ونظير هذا الابتلاء الكليم بالخضر عليهما السلام. روينا عن البخاري ومسلم والترمذي، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى إليه أن عبداً من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك". الحديث بتمامه.
ولعل المصنف نظر في كلام سليمان عليه السلام وافتخاره بالعلم والملك فبنى كلامه عليهما، فقوله: "لتتحاقر إليه نفسه"، ينظر إلى الملك، و"يتصاغر إليه علمه" إلى العلم، فعلى هذا قوله: "ابتلاءً له في علمه"، مفعولٌ له لقوله: "ألهم الله"، و"تنبيهاً" عطفٌ عليه.
وقوله: "لتتحاقر"، تعليلٌ لقوله: "تنبيهاً"، وإنما أتى باللام فيه، لأنه ليس فعلًا للمنبه، بخلافه في قوله: "تنبيهًا"، لأنه فعلٌ للملهم، والضميران في "إليه" و"نفسه" في الصيغتين لسليمان عليه السلام.
قال في "الأساس": تحاقرت إليه نفسه، وقد حقر في عيني حقارةً، وتصاغرت إليه نفسه: صارت صغيرة الشأن ذلًا ومهانةً، ولله سبحانه وتعالى أن يمتحن أفضل الخلق بأحقره بناءً على المشيئة المحضة أو المصلحة على الخلاف.


الصفحة التالية
Icon