فإن قلت: كيف قال: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) مع قول سليمان: (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل: ١٦]؛ كأنه سوّى بينهما؟ قلت: بينهما فرق بين، لأن سليمان عليه السلام عطف قوله على ما هو معجزة من الله، وهو تعليم منطق الطير، فرجع أوّلا إلى ما أوتي من النبوّة والحكمة وأسباب الدين، ثم إلى الملك وأسباب الدنيا، وعطفه الهدهد على الملك فلم يرد إلا ما أوتيت من أسباب الدنيا اللائقة بحالها؛ فبين الكلامين بون بعيد. فإن قلت: كيف خفي على سليمان مكانها وكانت المسافة بين محطه وبين بلدها قريبة، وهي مسيرة ثلاث بين صنعاء ومأرب؟ قلت: لعل الله عز وجل أخفى عنه ذلك؛ لمصلحة رآها، كما أخفى مكان يوسف على يعقوب.
[(وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوقف على ﴿عَرْشٌ﴾، وقد زعم بعضهم جوازه، وقال: معناه: عظيمٌ عند الناس، وقد أنكر هذا الوقف أبو حاتمٍ وغيره من المتقدمين، ونسبوا القائل به إلى جهل.
وقول من قال: معناه عظيمٌ عبادتهم للشمس من دون اله، قولٌ ركيكٌ لا يعتد به، وليس في الكلام ما يدل عليه، والوقف عند قوله: ﴿عَظِيمٌ﴾ حسنٌ.
قوله: (فلم يرد إلا ما أوتيت من أسباب الدنيا اللائقة بحالها)، قال صاحب "الكشف": قيل التقدير: وأوتيت من كل شيءٍ يؤتاها، أي: يؤتى المرأة. ألا ترى أنها لم تؤت الذكر.


الصفحة التالية
Icon