..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشَّرْطِ، فيَلزمُ منه أنَّ مَن لا يَرجُو لقاءَ الله، لا يكونُ أَجَلُ الله آتيًا له، والأجلُ آتٍ لكلِّ أحدٍ لا مَحالَةَ. وخُلاصةُ جوابِ المصنِّف أنَّ هذا الكلامَ واردٌ في حقِّ من عَلِمَ، بدليل قوله: ((إذا عُلِمَ أنَّ لقاءَ الله عُنيت به تلكَ الحالُ المُمثَّلةُ)) يعني: هذا إنّما يَصِحُّ أنْ يقعَ جوابًا للشَّرط إذا عَلِمَ المُخاطَبُ أن المرادَ بلقاء الله تعالى ما هو، ووقتُه متى هو، والمراد بلقاء الله تعالى ووَقْتِه: هو ما قال: ((مَثَلٌ للوُصُولِ إلى العاقبةِ))؛ أي: يلقى مَلَكَ الموتِ والبَعْثَ والحسابَ والجزاءَ، وهو المراد من قوله: ((تلك الحالُ المُمثَّلةُ)) وإذا لم يَعلمِ المُخاطَبُ ذلك لا يُقال له ذلك، أَلا تَرى كيف استَشهد بقوله: ((إذا عَلِمَ أنه يَقعدُ للنّاسِ يومَ الجُمعةِ))؛ يعني: من كان يرجو نَيْلَ ثوابِ الله ويخافُ عقابَه، فلْيَعلَمْ أنَّ وقوعَ ذلك لا بدَّ منه، وهذا لا يَصِحُّ في حقِّ الكافرِ.
ويَنصرُه أنَّ هذه الآيةَ قد عُقِّبت بها ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ وسَبقَ أنّها في حقِّ المؤمنين، وفائدة هذا التَّنبيهِ الحَثُّ على طاعة الله تعالى وما يُنالُ به ذلك الثَّوابُ، والرَّدْعُ عن المعاصي والتأهُّبُ لأخْذِ الزادِ لذلك اليوم المَهُولِ، وإليه أشار بقوله: ((فلْيُبادِرِ العملَ [الصالحَ] الذي يُصدِّق رجاءَه، ويُحقِّق أَملَه ويَكتَسِبُ به القُربةَ عند الله والزُّلْفى))، وسبيلُ هذه الطريقةِ سبيلُ الكِنايةِ؛ لأنّه إذا حَصَل العلمُ بأنَّ لقاءَ الله مُستَلْزِمٌ للأجل المَضْرُوبِ، كان ذِكْرُ الأَجَلِ شاهدًا على حُصول اللِّقاءِ بوَجْهٍ بُرْهانٍّي، ولذلك علَّل قولَه: ((إنَّ لقاءَ الله لآتٍ)) بقوله: ((لأنَّ الأَجَلَ واقعٌ قيه))، وإلى هذا المعنى نَلْمَحُ ما روينا عن البخاريِّ ومسلم عن عبادةَ بن الصّامِتِ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أَحَبَّ لقاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لقاءَ الله كَرِهَ اللهُ لقاءَهُ، والموتُ قبل لقاءِ الله)) الحديثَ.
فعلى هذا: الموتُ أحدُ الأسبابِ المُوصِلَة إلى النَّعيم الأَبَدِيِّ، والكَمالِ السَّرْمَدِيِّ، ثمَّ قولُه: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ تَذْيِيلٌ لتحقيق حُصولِ المَرْجُوِّ والمَخُوف وَعْدًا ووَعِيدًا، وإليه أشار بقوله: ((الذي لا يخفي عليه شيءٌ ممّا يقولُه عبادُه ومِمّا يَفعلُونَه، فهو حَقيقٌ بالتَّقوى والخَشيةِ))، وتَرَكَ ذِكْرَ الوَعْدِ؛ وهو أن يُقالَ: فهو جَديرٌ بأنْ يؤمَّل ويُناطَ بكَرَمِه


الصفحة التالية
Icon