كانوا يعملون، أى: أحسن جزاء أعمالهم؛ وإما قومًا مشركين آمنوا وعملوا الصالحات، فالله عز وجل يكفر سيئاتهم؛ بأن يسقط عقاب ما تقدم لهم من الكفر والمعاصي ويجزيهم أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)] ٨ [
(وصى) حكمه حكم (أمر) في معناه وتصرفه. يقال: وصيت زيدًا بأن يفعل خيرًا، كما تقول: أمرته بأن يفعل. ومنه بيت "الإصلاح":
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}، وأكَّدَه بقوله: ﴿إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾، ثمَّ أتى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الآية، تَذْييلاً لذلك على سبيل التَّفضُّل، فلا بدَّ من إثبات أمرٍ يَعظُم شأنُه، فيُحمل قولُه: ﴿لَنُكَفِرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ على الكبائر، ولذلك أتى بالقَسَمِيَّة وأَوقعَه في مقابل ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، كأنَّه قيل: لَنُكَفِّرَنَّ عنهم أَسوأ الذي كانوا يعملون، ولَنَجزِيَنَّهم أحسَنَ الذي كانوا يعملون؛ وهذا المعنى لا يَستقيمُ في حقِّ المشركينَ؛ لأنَّ التَّكفيرَ يَحصُل بمُجرَّد الإيمانِ، ولا مَدخَلَ فيه.
وقال مُحيي السُّنةِ: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ لَنُبْطِلَنَّها حتّى تَصيرَ بمنزلة ما لم يُعمل، فالتَّكفيرُ إذهابُ السَّيئةِ بالحَسَنة. وقد مرَّ في ((الفرقان)) نحوٌ من هذا التَّقدير وأيَّدْناه بالحديث الصَّحيح.
قال الإمامُ: ذَكَر الله تعالى ممّا يَختَصُّ بالعَبد شيئَينِ: الإيمانَ والعملَ الصَّالح، وذَكَر في مُقابَلَتِهما ممّا يَختصُّ بالله شيئَينِ: التَّكفيرَ والجزاءَ، فتكفيرُ السَّيِّئاتٍ في مُقابَلَة الإيمانِ، والجزاءُ بالأحسنِ في مُقابَلَة العملِ الصالحِ، وهذا يَقتضي أنَّ المؤمنَ لا يُخلَّد في العذاب.
قوله: (بيتُ ((الإصلاح))) وهو كتاب ((إصلاح المَنْطِق)) لابن السِّكِّيتِ. ((كَذَبَ))؛ أي: