سؤال تقريع (عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) أى: يختلقون من الأكاذيب والأباطيل. وقرئ: (من خطيآتهم).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ)] ١٤ - ١٥ [
كان عمر نوح عليه السلام ألفًا وخمسين سنة، بعث على رأس أربعين، ولبث في قومه تسعمئة وخمسين، وعاش بعد الطوفان ستين. وعن وهب: أنه عاش ألفًا وأربعمئة سنة. فإن قلت: هلا قيل: تسع مئةٍ وخمسين سنة؟ قلت: ما أورده الله أحكم؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلتَ: ما فائدةُ ﴿أَثْقَالَهُمْ﴾؟ إذْ لو قيلَ: ولَيَحْمِلُنَّ أثقالاً معَ أثقالِهم لأفادَ.
قلت: أُريد بيانُ استقلالِ أثقال أنفُسِهم، وأنها بَهظَتْهُم واستَفرغَت جُهدَهُم، ومع ذلك جُعلت أثقالُ الذين يُضِلُّونَهم كالعَلاوَةِ عليها. نحوهُ قولهُ تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقْيَامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم﴾ [النحل: ٢٥]. ومعنى التَّنكيرِ في ﴿وَأَثْقَالاً﴾ كمعنى ((مِن)) في ﴿وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم﴾ [النحل: ٢٥]. قال: وبعضُ أوزارِ مَنْ ضَلَّ بضَلالِهم، وهو وِزْرُ الإضلالِ.
قوله: (كان عُمُر نوحٍ عليه السَّلام) إلى آخره، وفي ((جامع الأصول)): كانت مدَّةُ نُبوَّتِه تسع مئةٍ وخمسين سنةً، وعاش بَعد الغَرَقِ خمسينَ سنةً، وقيل: مئتي سنةٍ، وكانت مدَّةُ الطُّوفانِ ستةَ أشهرٍ آخرُها يومُ عاشُوراءَ.
قوله: (ما أَورَدَه اللهُ أَحكمُ)؛ لأنَّه لو قيلَ كما قلتَ لجاز أن يُتَوهَّمَ إطلاقُ هذا العَدَدِ على أكثَرِه.
وقال الزَّجّاجُ: الاستثناءُ مستعملٌ في كلامِهم، وتأويلُه توكيدُ العَدَدِ وكمالِه؛ لأنَّك قد تَذكُر الجُملةَ ويكونُ الحاصلُ أكثَرَها، فإذا أردتَ التَّوكيدَ في تمامِها قلتَ كلَّها، وإذا أردتَ


الصفحة التالية
Icon