إفك وباطل. واختلاقهم الإفك: تسميتهم الأوثان آلهةً وشركاء لله أو شفعاء إليه. أو سمى الأصنام إفكًا، وعملهم لها ونحتهم: خلقًا للإفك. فإن قلت: لم نكر الرزق ثم عرفه؟ قلت: لأنه أراد: لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئًا من الرزق، فابتغوا عند الله الرزق كله. فإنه هو الرزاق وحده؛ لا يرزق غيره. (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وقرئ: بفتح التاء، فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه، وإن تكذبونني فلا تضروننى بتكذيبكم، فإنّ الرسل قبلي قد كذبتهم أممهم، وما ضرّوهم؛ وإنما ضروا أنفسهم، حيث حلّ بهم ما حل بسبب تكذيب الرسل: وأما الرسول فقد تم أمره حين بلغ البلاغ المبين الذي زال معه الشكّ، وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته. أو: وإن كنت مكذبًا فيما بينكم؛ فلي في سائر الأنبياء أسوة وسلوة حيث كذبوا، وعلى الرسول أن يبلغ، وما عليه أن يصدق ولا يكذب، وهذه الآية والآيات التي بعدها إلى قوله: (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم صلوات الله عليه لقومه، وأن تكون آيات وقعت معترضةً في شأن رسول الله ﷺ وشأن قريش؛ بين أوّل قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت: إذا كانت من قول إبراهيم؛ فما المراد بالأمم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا يستطيعون أن يَرزُقوكم شيئًا منَ الرِّزقِ، فابتَغُوا عند الله الرِّزقَ كلَّه) يعني: إنَّما نكّر أوَّلاً للتعليل مبالغةً في النَّفي وعَرِّفَ للاستغراقِ ليشملَ كلَّ ما يُسمّى رزقًا، وهذا من المواضع التي وَرَدت فيه المعرفةُ بعدَ النَّكرةِ، ولم يُرِد بالثاني الأَوَّلَ ذهابًا إلى معنى التَّقابُلِ وفَرْقًا بين الرِّزقَينِ.
قوله: (وإن تُكذِّبوني فلا تَضُرُّونَني بتَكذيبكُم، فإنَّ الرُّسلَ قَبْلي) إشارةٌ إلى أن الجزاءَ مقدَّرٌ، والمذكورُ علَّة، ويجوز أن يكونَ المذكورُ جزاءً متضمِّنًا للإخبار والإعلامِ، يعني: تكذيبُكم إيّايَ سببٌ لأنْ أُخبرَكُم بأنْ كَذَّبت أُممٌ قبلكم، وأنَّ لي أُسوةً بالأنبياء من قَبْلي؛ نحو قولِهم: إنْ تُكْرِمْني الآنَ فقد أكرمتُك أَمْسِ؛ مرادًا به: إنْ تَعْتَدَّ بإكرامك إيّايَ الآنَ فاعتدَّ بإكرامي إيّاكَ أمسِ.