[الروم: ١٢]. أو هو وصف لحالهم؛ لأنّ المؤمن إنما يكون راجيًا خاشيًا، فأما الكافر فلا يخطر بباله رجاء ولا خوف. أو شبه حالهم في انتفاء الرحمة عنهم بحال من يئس من الرحمة، وعن قتادة رضى الله عنه: إن الله ذمّ قومًا هانوا عليه فقال: (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) وقال: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأَخِيهِ ولا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ)] يوسف: ٨٧ [فينبغي للمؤمن أن لا ييأس من روح الله ولا من رحمته، وأن لا يأمن عذابه وعقابه.
صفة المؤمن أن يكون راجيًا لله عز وجل خائفًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثالثها: أن يكونَ تَمثيلاً، مُثِّلت حالُ هؤلاءِ الذين كَفروا بآيات الله ولقائه بحالِ قومٍ قُدِّرَ وجودُهم آيِسِينَ من رحمة الله، كما قال في ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] مُثِّلت حالُ قلوبِهم بحال قلوبٍ مقدَّرٍ خَتْمُ الله عليها، أو يُقال: شُبِّه حالُهم بحال مَن مات على الكُفر؛ مبالغةً في انتِفاءِ الرَّحمةِ عنهم، لأنَّ مَنْ عاشَ يُرجى إيمانُه فلا يكون مِمَّن أَيِسَ من رحمة اللهِ؛ أَبَرزَهُم في صورة الآيسينَ من رحمة اللهِ، وقريبٌ منه ما مَرَّ في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠]، فإنَّ قولَه: ﴿يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي﴾ نحوَ قولِه: ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠].
قال: كَنّى عنِ الموتِ على الكُفر بقولهِ: ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠]، وفائدتُه: إبرازُ حالِهم في صورة الآيِسِينَ منَ الرَّحمة التي هي أغلظُ الأحوالِ وأَشدُّها.
قال الإمام: أضافَ الرَّحمةَ إلى نفسِه عزَّ وجلَّ، ونَسَب العذابَ إليهم؛ لِيُؤذِنَ بأنَّ رحمتَه سَبقَت غَضبَه.
وقلت: وفيه تنبيهٌ على أنَّهم حين لم يَلتفتوا إلى آيات الله، ولم يُؤمنوا بالآخرةِ، ولم يَعْملوا ما يَرْجُون به رحمةَ الله؛ حَرَّموا على أنفُسِهم ما وَسِعَت كلَّ شيءٍ، واستَحقُّوا العذابَ الأليمَ.


الصفحة التالية
Icon