معه في هجرته: لوط، وامرأته سارّة، وهاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة (إِلى رَبِّي) إلى حيث أمرنى بالهجرة إليه (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) الذي يمنعني من أعدائى (الْحَكِيمُ) الذي لا يأمرنى إلا بما هو مصلحتي.
[(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)] ٢٧ [
(أَجْرَهُ) الثناء الحسن، والصلاة عليه آخر الدهر، والذرية الطيبة والنبوّة، وأن أهل الملل كلهم يتولونه. فإن قلت: ما بال إسماعيل عليه السلام لم يذكر، وذكر إسحاق وعقبه؟
قلت: قد دلّ عليه في قوله: (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) وكفى الدليل لشهرة أمره وعلوّ قدره. فإن قلت: ما المراد بالكتاب؟ قلت: قصد به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إبراهيمَ، ويَبْقى في كلِّ أرضٍ إذْ ذاكَ شِرارُ أهلِها، تَلْفِظُهم أَرْضُوهم، تَقْذَرُهُم نَفْسُ الله، وتَحشُرُهمُ النارُ معَ القِرَدةِ والخَنازيرِ)).
قوله: (قد دلَّ عليه في قولِه: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ والْكِتَابَ﴾ فكفى الدَّليلُ لشُهرةِ أمرِه، وعُلوِّ قَدْرِه) يُريد أنَّهم قد يُخففون ذِكْرَ بعضِ المُشتَهِرينَ، ويَكتَفُونَ برَمْزِهِ عن ذِكْره لشُهرتِه إعلاءً لقَدْرِه، ورَفعًا لمنزلتِه، وإيذانًا بأنَّه العلمُ المُشارُ إليه الذي لا يَلْتَبِسُ على كلِّ أحدٍ، كما قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٥٣] مُريدًا به نَبيَّنا ﷺ وهاهنا لمّا عَطَف ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ على ﴿وَوَهَبْنَا﴾ عُلِمَ أنَّ الثاني هو المَوْهُوبُ الأعظمُ، والمَطلُوبُ الأوَّلُ، لا سِيَّما [إذا] جُعلت الذُّريةُ مكانًا للنُّبوةِ وظَرْفًا لها.
ولا يَلتبسُ على كلِّ ذي بَصيرةٍ أنَّ النُّبوةَ والكتابَ لم يستقرَّا في أحدٍ منَ الأنبياءِ استقرارَهُ لِنبيِّنا ﷺ فكان في ذِكْره ذِكرُ جَدِّه إسماعيلَ صلواتُ الله عليهما، فقولُه: ((لِشُهرة أَمْرِه)) تعليلٌ لقوله: ((فكَفى الدَّليلُ)) من حيث المعنى كما قَرَّرناه.