فقد الطاقة، كما قالوا: رحب الذراع بكذا، إذا كان مطيقًا له، والأصل فيه أنّ الرجل إذا طالت ذراعه نال ما لا يناله القصير الذراع، فضرب ذلك مثلًا في العجز والقدرة.
(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)] ٣٤ - ٣٥ [
الرجز والرجس: العذاب، من قولهم: ارتجز وارتجس إذا اضطرب، لما يلحق المعذب من القلق والاضطراب. وقرئ: (مُنْزِلُونَ) مخففًا ومشدّدًا. (مِنْها) من القرية (آيَةً بَيِّنَةً) هي: آثار منازلهم الخربة. وقيل: بقية الحجارة. وقيل: الماء الأسود على وجه الأرض. وقيل: الخبر عما صنع بهم (لِقَوْمٍ) متعلق بـ (تركنا) أو بـ (بينة).
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا الله وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ)] ٣٦ - ٣٧ [
(وَارْجُوا) وافعلوا ما ترجون به العاقبة. فأقيم المسبب مقام السبب. أو: أمروا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقُرئ: ﴿مُنزِلُونَ﴾ مخفَّفًا ومشدَّدًا) ابنُ عامرٍ: مشدَّدًا، والباقون: مخفَّفًا.
قوله: (وافعلوا ما تَرْجُون به العاقبةَ، فأُقِيمَ المُسبِّبُ مَقامَ السَّببِ) أي: اعبُدوا اللهَ واعملوا صالحًا حتى تَتمكَّنُوا على رجاءِ أنْ يُثِيبَكُمُ اللهُ الجنَّةَ؛ لأنَّ مَنْ لم يَعملْ منَ الصالحات لم يَرْجُ الثَّوابَ الذي في الدار الآخرةِ، فالأعمالُ سببٌ للتَّمكُّن على الرَّجاء، فيكون عطفُ ﴿وَارْجُوا﴾ على ﴿اعْبُدُوا اللهَ﴾ للبيان والتَّفسيرِ.
وقريبٌ منه ما مرَّ في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِئَايَاتِ اللهِ وَلِقَاءِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي﴾، ويجوزُ أن يكونَ العطفُ للحُصول والوُجودِ، ويُفوَّضُ الترَّتُّبُ إلى الذِّهْنِ.


الصفحة التالية
Icon