ألا ترى أنك إذا قلت في الإثبات: رأيت الأمير يخط هذا الكتاب بيمينه، كان أشد لإثباتك أنه تولى كتبته، فكذلك النفي (بَلْ) القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ) العلماء به وحفاظه، وهما من خصائص القرآن: كون آياته بينات الإعجاز، وكونه محفوظًا في الصدور يتلوه أكثر الأمة ظاهرًا؛ بخلاف سائر الكتب، فإنها لم تكن معجزات، وما كانت تقرأ إلا من المصاحف. ومنه ما جاء في صفة هذه الأمة «صدورهم أناجيلهم».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونحوُه قولُه تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: ٢٩]، قال المصنف: ((ما هو إلاّ كلامٌ من جِنْس الكلامِ الذي يُرْمى به على السَّليقةِ من غير صَنْعَةٍ وقَصْدٍ إلى ذلك، ولا التفاتٍ منه إليه))، ويَعضُدُه قولُ راوي الحديثِ: ((وليس يُحسِن يَكْتُبُ)).
قال في تفسير قولِه تعالى: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧]: ((حقيقتُه: يحسن معرفته؛ أي: يَعرِفُه معرفةً حسنةً بتحقيق وإتقان)).
وفي ((الروضة)): وممّا عُدَّ منَ المحرَّماتِ الشِّعرُ والخَطَّ، وإنّما يَتَّجهُ القولُ بتحريمهما لمَنْ يقول: إنه ﷺ كان يُحْسِنُهما، وقد اختُلف فيه؛ فقيل: كان يُحسنهما لكنه يمتنع منهما. والأصحُّ: أنه كان لا يُحسنهما. ثم قال صاحبُ ((الروضة)): ولا يمتنع تحريمهما وإن لم يُحسنهما، والمرادُ تحريمُ التَّوصُّلِ إليهما.
قوله: (وهما من خصائص القرآنِ) مفسَّرٌ بقوله: ((كَوْنُ آياتِه بَيِّناتِ الإِعجازِ)) وبقوله: ((كَوْنُه محفوظًا في في الصُّدور))، يدلُّ عليه قوله: ((بخلاف سائرِ الكُتبِ))، فعلى هذا ((بل)) إضرابٌ عن مفهوم الآيتَينِ السابقتَينِ. المعنى: وكذلك أنزَلْنا إليكَ الكتابَ، والحال أنَّك أُمِّيٌّ ما كنتَ تَتْلُو مِنْ قَبلهِ من كتابٍ ولا تَخُطُّه بيَمينِكَ، بل ذلك الإنزالُ معجزةٌ خارقةٌ للعادات، وهي كَوْنُها في نفسِها آياتٍ بيِّناتٍ؛ لبلاغَتِها وفَصاحَتِها، وكَوِنُه اختُصَّ بأنْ حُوفِظَ [عليه] في صُدور العلماءِ دونَ سائر الكُتبِ.
قوله: (صُدورُهم أَناجِيلُهم)، النهاية: في صفة الصَّحابة: ((معه قومٌ صُدورُهم