أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك. وقيل: إنّ ناسًا من المسلمين أتوا رسول الله ﷺ بكتٍف قد كتبوا فيها بعض ما تقول اليهود، فلما أن نظر إليها ألقاها وقال: كفى بها حماقة قوٍم أو ضلالة قوٍم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم، فنزلت. والوجه: ما ذكرناه. (كَفى بِالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) أنى قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم وأنذرتكم، وأنكم قابلتمونى بالجحد والتكذيب، (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو مطلع على أمرى وأمركم، وعالم بحقي وباطلكم (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) منكم، وهو ما تعبدون من دون الله (وَكَفَرُوا بِالله) وآياته (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) المغبونون في صفقتهم؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إنَّ ناسًا منَ المسلمينَ) الحديثَ، من رواية الدارميِّ عن يَحيى بنِ جَعْدةَ قال: أُتَي النبيُّ ﷺ بكَتِفٍ فيه كتابٌ، فقال: ((كفى بقومٍ ضَلاَلاً أنْ يَرْغَبُوا عمّا جاء به نَبيُّهم، إلى ما جاء بع غيرُ نَبيِّهم، أو كتابٍ غيرِ كتابِهم))، فأَنزلَ اللهُ ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ﴾ الآيةَ.
قوله: (والوَجْهُ ما ذَكَرِنا) أي: المعنى: أوَلَم يَكْفِهِم آيةٌ مُغْنيةٌ عن سائر الآياتِ؟ لأنَّه لا يلزمُ منَ الوَجْه الثاني كَوْنُه معجزةً بالغةً حَدَّ الإعجازِ والكَمالِ، ومِنَ الثالث كَونُه معجزةً أصلاً، والكلامُ في المُعجِزَة كقولهم: ((لولا أُنزل عليه آيةٌ))، يدلُّ عليه ما في ((المعالم)) و ((المطلع)): هذا جوابٌ لقولهم: ((لولا أُنزِلَت عليه آيةٌ من ربِّه)).
قوله: (المَغْبُونونَ في صَفْقَتِهم) إشارةٌ إلى أنَّ قولَه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ﴾ استعارةٌ للاشتراء والبيع تقديرًا، و ﴿الْخَاسِرُونَ﴾ قرينةٌ للاستعارة، فإنَّ الخُسْرانَ لا يُستعمل حقيقةً إلاّ في التِّجارة المُتعارَفةِ. شَبَّه استبدالَ الكُفرِ بالإيمان المُستَلْزِمِ للعقابِ بالاشتراء المُستَلْزِمِ للخُسْرانِ.