ومعناه: إنكم ميتون فواصلون إلى الجزاء، ومن كانت هذه عاقبته لم يكن له بد من التزود لها والاستعداد بجهده.
[(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)] ٥٨ - ٥٩ [
(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) لننزلنهم (مِنَ الْجَنَّةِ) علالي. وقرئ: (لنثوّينهم) من الثواء، وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ومعناه: إنَّكم مَيِّتون فواصِلُون إلى الجزاء) فإنْ قلتَ: لِمَ خالَفَ التِّلاوةَ حيث أَتى بالفاء، وفيها ((ثم))، وشَتّانَ ما بينَهما؟
قلت: الفاءُ الكاشفيَّةُ فَصيحةٌ، وليست للتَّعقيبِ المذكورِ؛ لأنَّ بينَ الموتِ والمُثُولِ بَيْن يَدَي المَلِكِ الجبّارِ في دار الجزاء تَراخِيًا؛ ولهذا جيءَ في التَّنزيل بـ ((ثُمَّ))، كأنَّه قيل: ثمَّ إنَّكم مَيِّتون فتُقبرون، ثم تُنشَرون فواصِلُون عَقِيبَه إلى الجزاء؛ كقوله تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٨]. وفائدةُ العُدُولِ الإشعارُ بأنَّ ما هو آتٍ أت، كأنَّ مَنْ مات فقد قامَت قيامتُه، وتَرتَّب عليه الجزاءُ على نحوِ ما مرَّ في قوله: ﴿وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ﴾.
ويُمكن أن تُحملَ ((ثُمَّ)) على التَّراخي في الرُّتبة، المعنى: يا عبادي الذين آمنُوا، إنْ يَصْعُب عليكم مُفارقةُ الأَوطانِ والهِجْرةُ إلى دار الغُربة للتَّخلِّي لعبادتي، فاعلَمُوا أنَّ الفُرْقَةَ العُظمى -وهي الموت- لابدَّ منها؛ لأنَّها مكتوبةٌ على كلِّ نَفْسٍ، ثُمَّ أصعبُ منها الحصولُ في دار الجزاء بَين يَدَي جبّار السَّماواتِ والأرضِ، يومَ نَضَع الموازينَ القِسْطَ، يومَ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨]، ومَن كانت عاقبتُه هذه لم يكنْ له بُدٌّ من التَّزوُّد لها وأخْذِ الأُهْبَةِ لها بمَجْهُوده.
قوله: (لَنُثوِيَنَّهُم) حمزةُ والكسائيُّ: بالثاء، مِنَ الثَّواءِ، وهي الإقامةُ؛ ساكنة من غير همز، والباقون: بالباء مفتوحة مع الهمزِ.


الصفحة التالية
Icon