يحتمل الوجهين جميعًا: أن يريد ويقدر لمن يشاء، فوضع الضمير موضع "من يشاء"؛ لأن "مَنْ يَشاءُ" مبهم غير معين، فكان الضمير مبهمًا مثله، وأن يريد تعاقب الأمرين على واحٍد على حسب المصلحة (إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم.
[(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ الله قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)] ٦٣ [
استحمد رسول الله ﷺ على أنه ممن أقر بنحو ما أقروا به؛ ثم نفعه ذلك في توحيد الله ونفى الأنداد والشركاء عنه، ولم يكن إقرارًا عاطلًا كإقرار المشركين؛ وعلى أنهم أقروا بما هو حجة عليهم؛ حيث نسبوا النعمة إلى الله وقد جعلوا العبادة للصنم، ثم قال: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ما يقولون وما فيه من الدلالة على بطلان الشرك وصحة التوحيد. أو: لا يعقلون ما تريد بقولك الحمد لله، ولا يفطنون لم حمدت الله عند مقالتهم؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يحتمل الوجهين جميعًا) اللام للعهد؛ أي: الوجهين المذكورين في السؤال منطوقًا ومفهومًا؛ لأن قوله: ((فكأنَّ بَسْطَ الرزقِ وقَدْرَه جعلا لواحد))، والحال أنهما للاثنين.
قوله: (استحمدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) أي: طلب منه أن يحمده.
الأساس: واستحمدَ الله على خلقِهك بإحسانِه إليهم وإنعامه عليهم.
قوله: (﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ ما يقولون) هذا مبنيٌّ على الوجه الثاني، وهو أنهم أقروا بما هو حُجّةٌ عليهم، وقوله: أو لا يعقلون ما تريد، بينيٌّ على الوجهِ الأول، وهو قوله: ((إنه أقر بنحو ما أقروا به)، والأول أظهر لمُقْتضى بل من الترقي، كأنه قيل: احمَدِ الله على ما أقروا بما هو حُجّةٌ عليهم، وعلى تبكيتِهم وإلزامِهم، بل على جهلهم، وأن ما قالوه دلّ على سَلْبِ عقولهم.