بناء الحيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة، وهي ما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب، كالنزوان والنفضان واللهبان، وما أشبه ذلك. والحياة: حركة، كما أن الموت سكون، فمجيئه على بناٍء دال على معنى الحركة، مبالغة في معنى الحياة، ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضى للمبالغة. (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ): فلم يؤثروا الحياة الدنيا عليها.
[(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)] ٦٥ - ٦٦ [
فإن قلت: بم اتصل قوله (فَإِذا رَكِبُوا)؟ قلت: بمحذوف دلّ عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم، معناه: هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) كائنين في صورة من يخلص الدين لله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع) أي: لما فيه من المبالغة اختيرت، وأن المقام يقتضي المبالغة؛ لأنه واقع في مقابل حياة الدنيا، فكما بولغَ في قلّةِ ثباتها وسرعة تقضيها حيث جعلت لهوًا ولعبًا تشبيهًا بلعب الصبيان، يلعبون ساعة ثم يتفرقون؛ بولغ في دوامها وثباتها، كما قال: ((ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة خالدة.... فكأنها في ذاتها حياة)).
قوله: (هم على ما وُصِفوا به من الشرك والعناد ﴿فَإِذَا رَكِبُوا﴾، يريد: أن الفاء للتعقيب، وفي الكلام معنى الغاية، كما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ إلى قوله: ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢]، يعني: هم مصروفون عن توحيد الله مع إقرارِهم بأنه الخالقُ مُقِرّون بما هو حجة عليهم في قولهم ﴿لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ حين سئلوا ﴿مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ﴾ لاهون بالدنيا، مشتغلون بما هو في وشك الزوال، ذاهلون عن الحياة الأبدية حتى إذا ركبوا في الفلك فحينئذ يرجعون إلى أنفسِهم داعين خاضعينَ مُخلصين له الدين.
يدل على هذا الترتيب قوله تعالى: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾، فإنه نَشْرٌ لمضمون