قلت: كيف صحت المناحبة وإنما هي قمار؟ قلت: عن قتادة رحمه الله تعالى أنه كان ذلك قبل تحريم القمار. ومن مذهب أبى حنيفة ومحمد: أن العقود الفاسدة من عقود الربا وغيرها جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار. وقد احتجا على صحة ذلك بما عقده أبو بكر بينه وبين أبىّ بن خلف.
(مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أى: في أوّل الوقتين وفي آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون، كأنه قيل: من قبل كونهم غالبين، وهو وقت كونهم مغلوبين. ومن بعد كونهم مغلوبين. وهو وقت كونهم غالبين، يعنى: أن كونهم مغلوبين أوّلًا وغالبين آخرًا ليس إلا بأمر الله وقضائه، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ)] آل عمران: ١٤٠ [وقرئ: (من قبل ومن بعد) على الجرّ من غير تقدير مضاٍف إليه واقتطاعه. كأنه قيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مِنْ قَبْلِ كَوْنهم غالبينَ)، وهو وقتُ كَونِهم مغلوبينَ ومِن بَعْدِ كونِهم مغلوبين، وهو وقتُ كونِهم غالبين؛ وذلك أنَّ كلاًّ مِن الوقتين، أَعني: وقتَ كَوْنِهم مغلوبين ووَقْتَ كَونِهم غالبين بالنِّسبة إلى الآخَرِ له اعتبارُ القَبْليَّةِ والبَعْديَّة، فأنَّ الرُّومَ كانوا في أوَّل الأمرِ مغلوبينَ، وفي ثاني الحالِ صاروا غالبينَ، فكَونهم مغلوبينَ قبلَ كونِهم غالبينَ، وكونهم غالبينَ بعدَ كونِهم مغلوبينَ، وذلك أن ((قَبْل)) و ((بَعْد)) من الغايات، فلا بدَّ من تقدير المضافِ إليه.
قوله: (وقرئ: ((مِنْ قَبْلِ ومِنْ بَعْدِ)) على الجرّ)، قال الزَّجاجُ: ((إنهم يُجيزون بالتَّنوين، وبعضُهم بغير التَّنوين، وهذا خطأٌ؛ لأنَّ ((قَبْل)) و ((بَعْد)) أصلُهما هاهنا الخفضُ، ولكن بُنِيَتا على الضمِّ؛ لأنَّهما غايتانِ، ومعنى الغايةِ أنَّ الكلمةَ حُذفت منها الإضافة وجُعلت غايةُ الكَلِمة ما بقيَ بعدَ الحَذْف، وإنما بُنِيَتا على الضَّمِّ؛ لأنَّ إعرابَهما في الإضافة النَّصْبُ والخفضُ ولا يُرفعان؛ لأنهما لا يُحدَّث عنهما، استُعملا ظرفَينْ، فلما عُدِلا عن بابهما حُرِّكا