العقوبات في الآخرة، وهي جهنم التي أعدّت للكافرين. و (أَنْ كَذَّبُوا) بمعنى: لأن كذبوا، ويجوز أن تكون (أن) بمعنى: أى؛ لأنه إذا كان تفسير الإساءة التكذيب والاستهزاء؛ كانت في معنى القول، نحو: نادى. وكتب، وما أشبه ذلك. ووجه آخر: وهو أن يكون (أَساؤُا السُّواى) بمعنى اقترفوا الخطيئة التي هي أسوأ الخطايا، و (أَنْ كَذَّبُوا) عطف بياٍن لها، وخبر (كان) محذوف كما يحذف جواب (لما) و (لو)؛ إرادة الإبهام.
[(الله يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)] ١١ [
(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أى: إلى ثوابه وعقابه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كقوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١] يعني: أيقظناهم من غَفْلتهم بقولنا: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ ودَلَلْناهم على طريق الإيقاظ.
والعِبْرةُ بقولنا: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾؛ لِيُقلعوا عمّا كانوا عليه منَ العِنَاد والتَّكذيب، ثمَّ بعدَ ذلك لم يكن عاقبتُهم إلاّ الفَعْلةَ السَّوأي والتَّكذيب، والله أعلم.
قال القاضي: وُضِع الظّاهرُ مَوضِعَ المُضمَر للدَّلالة على أنَّ ما اقتَضى أن تكونَ تلك عاقبتَهم هو أفعالُهم السّوأي، بمعنى اقتَرفوا الخطيئةَ.
فعلى هذا: الإساءةُ أعمُّ من أن تكون قوليةً أو فعليةً، وعلى أن تكون ((أن)) مفسِّرة يجب أن تكونَ قوليَّةً لا فعليةً؛ ليصحَّ جَعْلُها بمعنى القولِ، وإليه الإشارةُ بقوله: ((تفسير الإساءة التكذيب والاستهزاء)).


الصفحة التالية
Icon