لما ذكر الوعد والوعيد، أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجى من الوعيد، والمراد بالتسبيح ظاهره الذي هو تنزيه الله من السوء، والثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدّد فيها من نعمة الله الظاهرة. وقيل: الصلاة. وقيل لابن عباس رضى الله عنهما: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية. (تُمْسُونَ) صلاتا المغرب والعشاء، و (تُصْبِحُونَ) صلاة الفجر، (وَعَشِيًّا) صلاة العصر. و (تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر. وقوله: (وَعَشِيًّا) متصل بقوله: (حِينَ تُمْسُونَ)، وقوله: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اعتراض بينهما. ومعناه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لما ذكر الوَعْدَ والوَعِيدَ أتبعَه ذِكْرَ ما يُوصِل إلى الوَعْد ويُنجِّي منَ الوعيدِ) بيانٌ لاتصال ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ الآية بالآياتِ السابقة.
وفيه أنَّ الفاءَ فيه جزاءُ شرطٍ محذوفٍ، وأنَّ قولَه: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ تفصيلٌ لما أجملَ في قوله تعالى: ﴿أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: إذا كان الأمر كما تقرَّر فاستعدُّوا لما تَسعَدوا به في ذلك اليوم وتَفُوزوا برَوْضات الجِنَانِ، وبما تتخلّصوا به من الشَّقاوة الأبديَّةِ والحُضورِ في دَرَكاتِ النِّيرانِ، وهو استغراقُ الأوقاتِ في ذِكْر الله وطاعاتِه التي أوجَبَها عليكم، وفي النِّداء على الجميل لما أَوْلَيناكم من نعمة الإرشاد إلى الفلاح والنَّجاة.
ثم بيَّن على طريق الاستئناف مُوجِبَ التَّسبيح والتّحميد لله عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ إلى آخر الآيات الدّالَّةِ على الفَرْدانيَّة، وعلى اختصاصِه بالعُبوديَّة؛ أي: اعبُدوه واحمَدُوه؛ لأنَّه يُحيي ويُميت، وله الآياتُ الباهرةُ المتظاهرةُ، فظهَر من هذا البيانِ أنَّ المصدرَ أُنيب مَنابَ الأمرِ، ورَجَح به تأويلُ حَبْر الأُمَّة رضي الله عنه من إيجاب الصَّلواتِ الخمسِ بإشارة النَّصِّ، والله أعلم.