لأنه خلق أصلهم منه. و (إِذا) للمفاجأة. وتقديره: ثم فاجأتم وقت كونكم بشرًا منتشرين في الأرض. كقوله: (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً)] النساء: ١ [، (مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً)؛ لأن حوّاء خلقت من ضلع آدم عليه السلام، والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال، أو من شكل أنفسكم وجنسها، لا من جنس آخر، وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الإلف والسكون، وما بين الجنسين المختلفين من التنافر، (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ) التوادّ والتراحم بعصمة الزواج، بعد أن لم تكن بينكم سابقة معرفة، ولا لقاء، ولا سبب يوجب التعاطف من قرابة أو رحم. وعن الحسن رضى الله عنه: المودة كناية عن الجماع، والرحمة عن الولد، كما قال: (وَرَحْمَةً مِنَّا)] مريم: ٢١ [، وقال: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ)] مريم: ٢ [. ويقال: سكن إليه، إذا مال إليه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لأنَّه خَلَق أصلَهم منه)، أي: إنَّما صحَّ الخطابُ للخَلْق بقوله: ﴿خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾ لذلك، والمعنى: خَلَق أصلَكم من تُرابٍ ليتَّصلَ به قولُه:
﴿ثُمَّ﴾؛ أي: ثُمَّ فاجأتُم وقتَ كونِكُم بَشَرًا، و ﴿ثُمَّ﴾ للتَّرَاخي في الرُّتبة لا في الزَّمان، فإنَّ المفاجأةَ تدفعُه.
قوله: (كقوله: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: ١]) وَجهُ التَّشبيه أنَّ قولَه: ﴿أَنتُم﴾ مبتدأٌ، و ﴿بَشَرٌ﴾ جنسٌ وقع خبرًا له، و ﴿تَنتَشِرُونَ﴾ صفةٌ لـ ﴿بَشَر﴾، فـ ﴿بَشَرٌ﴾ مِثلَ قولِه: ﴿رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: ١]، و ﴿تَنتَشِرُونَ﴾ مثل قوله: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا﴾ [النساء: ١].
قال صاحب ((المطلع)): ثم إذا أنتُم خلقٌ كثيرٌ من لحمٍ ودَمٍ تَنبسطونَ في الأرضِ.
قوله: (كما قال: ﴿وَرَحْمَةً مِّنَّا﴾)، أي: في قوله تعالى: ﴿لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً﴾ [مريم: ٢١]، والمراد بالرَّحمة: عيسى عليه السلام.
قوله: (﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ﴾ [مريم: ٢] وتقريرُه: أنَّ ﴿ذِكْرُ﴾ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، وهو مصدرٌ مضافٌ إلى المفعولِ، و ﴿عَبْدَهُ﴾ مفعولُ ﴿رَحْمَتِ﴾ و ﴿﴾ بَدَلٌ مِنْ ﴿عَبْدَهُ﴾، و ﴿إِذْ نَادَى﴾ ظرفٌ لـ ﴿رَحْمَتِ﴾ أو لـ ﴿ذِكْرُ﴾؛ أي: هذا إنَّ ذِكْرَ ربِّك رحمتَه


الصفحة التالية
Icon