واستمساكهما بغير عمٍد (بِأَمْرِهِ) أى بقوله: كونا قائمتين. والمراد بإقامته لهما: إرادته لكونهما على صفة القيام دون الزوال. وقوله: (إِذا دَعاكُمْ) بمنزلة قوله: يريكم، في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى، كأنه قال: ومن آياته قيام السماوات والأرض، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوةً واحدة: يا أهل القبور اخرجوا. والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقٍف ولا تلبث، كما يجيب الداعي المطاع مدعوّه، كما قال القائل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (واستمِساكُهما) قيل: هو من قولهم: هو لا يَستمسكُ على الرَّاحلة؛ أي: لا يقدر على إمساكِه نفسَه وضبطِها والثباتِ عليها.
قوله: (﴿بِأَمْرِهِ﴾ أي: بقوله: كونا قائمتَيْن) أي: قيل: بأمره، وأُريد هذا القول، ولم يُرد بالقول حقيقتَه، بل المرادُ إقامتُه لهما وإرادتُه لحدوثهما قائمتين، فقوله: ((إرادته لكونِهما)) خبرٌ، و ((المراد بإقامتهِ لهما)) مبتدأٌ، كذا صحّ، واللامان صِلَتانِ، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧]. والمراد: أن ما قضاه من الأمور وأراد كونه، فإنّما يكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناعٍ ولا قَوْلَ ثَمَّةَ، كذلك معنى قوله: ((كونا قائمتينِ)) حصولُهما على صفة القيام على وَفْق إرادتِه من غير توقُّفٍ ولا قَوْلَ ثَمَّةً، وإليه الإشارةُ بقوله: ((والمراد به سرعةُ وجودِ ذلك من غير توقُّف ولا تَلبُّثٍ)).
قال الإمام: قوله: ﴿بِأَمْرِهِ﴾ أي: بقوله: قوما، أو بإرادته قيامهما، وذلك أن الأمرَ عند المعتزلةِ موافقٌ للإرادة، وعندنا ليس كذلك، ولكن النزاعَ في الأمر الذي في التَّكليف لا في الأمر الذي في التَّكوينِ، فإننا لا نُنازعُهم في أنّ قولَه: ((كن))، و ((كونا))، و ((كونوا)) موافقٌ للإرادة.


الصفحة التالية
Icon