الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول. فلما كانت الإعادة من قبيل الواجب، كانت أبعد الأفعال من الامتناع. وإذا كانت أبعدها من الامتناع، كانت أدخلها في التأنى والتسهل، فكانت أهون منها. وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء، (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أى: الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله قد عرف به ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيٍء من إنشاٍء وإعادة وغيرهما من المقدورات، ويدل عليه قوله تعالى: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أى: القاهر لكل مقدور، (الحكيم) الذي يجرى كل فعٍل على قضايا حكمته وعلمه. وعن مجاهد (المثل الأعلى) قول لا إله إلا الله، ومعناه: وله الوصف الأعلى الذي هو الوصف بالوحدانية. ويعضده قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ)] الروم: ٢٨ [، وقال الزجاج: (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض) أى: قوله تعالى: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) قد ضربه لكم مثلًا فيما يصعب ويسهل. يريد: التفسير الأوّل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويَعضُده قوله: ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾)؛ لأنَّ الكلام فيه لنَفْي الشَّريكِ وإثباتِ التَّوحيدِ، وتلخيصُ معناه يعودُ إلى معنى كلمةِ التَّوحيدِ، فصَحَّ أن يُسمَّى القولُ بكلمةِ التَّوحيدِ بـ ﴿الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾.
قال الزَّجاج: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ للعهد، وأن قوله: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ أي: معناه كالمثل المشهور بين الناس، أي: المسلمين منهم في كل زمان، نحو الأمثال المضروبة عند العرب، ويَقرُبُ منه قول المصنِّف: ((أي: الوصفُ الأعلى الذي ليس لغيرهِ مثلُه قد عُرف به ووُصِفَ في السّماواتِ والأرضِ)) إلى آخره، لكن الزَّجاج أجرى المَثلَ كالقولِ السَّائر على حقيقته وجعلَه المصنِّف مجازًا عن الوصف العَجيب الشأنِ ليشملَ القولَ وغيرَه، ولذلك قال: ((على ألسِنةِ الخلائق وأَلْسِنَةِ الدّلائلِ))، وخصَّ قَوْلَ الزَّجاجِ بالقول.
قوله: (يُريد التَّفسيرَ الأوّلَ)، أي: لقوله: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ وهو أن يكون الضَّميرُ-


الصفحة التالية
Icon