الله) من خذله ولم يلطف به، لعلمه أنه ممن لا لطف له، فمن يقدر على هداية مثله. وقوله: (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان.
[(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)] ٣٠ - ٣٢ [
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) فقوّم وجهك له وعدّله، غير ملتفٍت عنه يمينًا ولا شمالًا، وهو تمثيل لإقباله على الدين، واستقامته عليه، وثباته، واهتمامه بأسبابه، فإنّ من اهتم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ دليل على أنَّ المرادَ بالإضلالِ: الخذلانُ) كأنه قيل: من يَنصرُ من خذَله اللهُ ومَنع الإلطافَ عنه، والحالُ أنه لا ناصرَ له.
وقلت: ليس الكلامُ في النُّصرةِ والخِذلانِ، بل في الهدايةِ والضَّلالِ ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ كالتتميم لمعنى إرادة الإضلال والمَنْع من الهداية، وذلك أنّه تعالى عَقِيب ما عَدَّد الآياتِ البيِّناتِ والشواهدَ الدّالَة على الوحدانيّةِ ونَفْي الشَّريكِ وإثبات القول بالمَعاد وضَربَ المَثَل، وفَصَل ذلك بقوله: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
أراد أن يُسَلِّيَ حبيبَه ﷺ ويُوطِّنَه على اليأس من إيمانهم، فأضرَبَ عن ذلك وقال: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم﴾ وجَعل السَّبب في ذلك أنه تعالى ما أراد هدايتَهم وأنه مختوم على قلوبهم، ولذلك رتَّب عليهم قوله: ﴿فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ على التَّقريع والإنكارِ، ثم ذَيَّل الكُلَّ بقولِه: ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ يعني: إذا أراد اللهُ منهم ذلك لا مَخْلَص لهم منه، ولا أحدَ يُنقذهم لا أنتَ ولا غيرُك، فلا تذهب نفسُكَ عليهم حسرات، فاهتَمّ بخاصّةِ نفسك ومَنْ تَبِعَك، وأقِمْ وجهَك معهم للدِّين حنيفًا.
قوله: (فقوِّم وجهكَ له وعدِّله)، الأساس: وقوَّمَ العُودَ وأقامه، فقام واستَقامَ وتقوَّم، ورُمحٌ قويم.


الصفحة التالية
Icon