أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل، وما يجب أن يترك (يُرِيدُونَ وَجْهَ الله) يحتمل أن يراد بوجهه: ذاته أو جهته وجانبه، أى: يقصدون بمعروفهم إياه خالصًا وحقه، كقوله تعالى: (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى)] الليل: ٢٠ [أو يقصدون جهة التقرّب إلى الله لا جهةً أخرى، والمعنيان متقاربان، ولكن الطريقة مختلفة.
[(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ الله وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)] ٣٩ [
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أتبعَه ذِكْر ما يَجِبُ أن يُفعل وما يَجبُ أن يُترك) يعني: إذا تَقرَّر أن ما يُصيبهم من مصائبَ دنيويَّةٍ ودِينيَّةٍ بسَببِ معاصِيهم، فعلى كلِّ ذي لُبٍّ أن يعتبرَ العاقبة ويتحرّى إيتاءَ معروفِه في أهله ومُستَحقِّه، ويجتنبَ إيتاءَ ما يَمحَقُه الله في الدُّنيا من الرِّبا والسُّخط على صاحبه في العُقبى منَ الرِّياء، وممّا يدلُّ على أنَّ الآيتينِ متقابلتان تَكريرُ ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ فيهما، وتخصيصُ كلٍّ منَ الآيتينِ باسم الإشارة الدَّالٌ على أنَّ ما قبلَه جديرٌ بما بعدَه لأجل ذِكْرِ مُوجبه.
قوله: (أي: يَقْصدون بمعروفهم إيّاه [خالصًا] وحقَّه) عطفٌ على إياه؛ نحو: أعجَبَني زيدٌ وكَرمُه، وقيل: إنّما جاء بالضَّمير منفصلاً لما أهمَّه تقديمُ الجارِّ والمجرور على المفعول به، فيتعذَّر الاتصالُ. هذا على تقدير أنْ يُرادَ بوجهه ذاتُه، فيُفيدُ الاختصاصَ والإخلاص، وبقوله: ((أو يقصدون جهةَ التقرُّب على أن يُراد بوجهِه جهتُه وجانبُه)) فيه نَشْرٌ لما لفَّ في قولِه: ((يَحتملُ أن يُرادَ بوجهه ذاتُه أو جهتُه))، أو لِمَا في الثاني من معنى الكناية عن الذاتِ؛ لأنه تعالى مقدَّسٌ عنِ الجانبِ؛ كقوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾ [الزُّمَر: ٥٦] ورجع المعنى إلى ذاته عزَّ وجل معَ مُراعاة العَظَمة، قال: و ((المعنيان متقاربانِ، ولكنَّ الطريقةَ مختلفةٌ)).


الصفحة التالية
Icon