[(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)] ٤٧ [
اختصر الطريق إلى الغرض بأن أدرج تحت ذكر الانتصار والنصر ذكر الفريقين،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا... وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، والمحذوفُ المقدَّر: ((أرسلناها))، والمحذوفُ المقدَّر: ((أرسلناها))، فيكون عطفَ جملةٍ على جملةٍ.
قال القاضي: ﴿وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ وهي المنافع التابعة لها من الخِصْب والرَّوح، وهو عطفٌ على علَّة محذوفةٍ دلَّ عليها ﴿مُبَشِّرَاتٍ﴾، أو عليها باعتبار المعنى، أو على ﴿يُرْسِلَ﴾ بإضمار فعلٍ معلَّلٍ دل عليه ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾.
قوله: (اختَصَرَ الطريقَ إلى الغَرَض) إلى آخره، لخَّصَه صاحبُ ((المطلع)) وقال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ﴾ كما أرسلناك إلى هؤلاء ﴿فَجَاءُوهُم﴾ بالدَّلالاتِ الواضحاتِ على صِدْقِ دَعْواهم كما أَتيتَ هؤلاءِ بالمُعجزات الدَّالةِ على صدقكَ ﴿فَانتَقَمْنَا﴾ أي: انتصرنا ﴿مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ وهم المكذِّبون ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ اختَصَر الطَّريقَ إلى الغَرَض بأنْ أدرج تحتَ ذِكْر الانتصار والنصر ذِكْرَ الفريقَينِ-أعني المكذِّبين والمصدِّقين- وقد أَخْلى الكلامَ أولاً عن ذكرهما، وفي هذا تبشير للنبيِّ ﷺ والمؤمنينَ بالنَّصرِ في العاقبةِ على المكذبينَ، وأكَّد ذلك بقوله: ﴿حَقًّا﴾ ومعنى حَقًّا أنَّه تعالى أَخْبر به، وإذا أَخبر بشيء حُقَّ ذلك الشَّيءُ ووُجد ما أخبرَ به.
قوله: (بأن أَدرَجَ تحتَ ذكرِ الانتصار)، الأساس: أَدْرجَ الكُتيب في الكتاب: جعلَه في دُرْجِه؛ أي: في طَيِّهِ وثَنِيِّه.
وقلت: هاهنا ثلاثةُ مَقامات: أولها: قوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ﴾ وليس فيه أنَّ هذا القوم من هم؟ المصدِّقون أم المكذبون؟ وإليه الإشارة بقوله: ((وقد أخلي الكلامُ أولاً عن ذِكرهما)).