هو لقمان بن باعورا: ابن أخت أيوب أو ابن خالته. وقيل: كان من أولاد آزر، وعاش ألف سنة، وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم، وكان يفتي قبل مبعث داود عليه السلام، فلما بعث قطع الفتوى، فقيل له؟ فقال: ألا أكتفى إذا كفيت؟ وقيل: كان قاضيًا في بنى إسرائيل، وأكثر الأقاويل أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًا، وعن ابن عباس رضى الله عنهما: لقمان لم يكن نبيًا ولا ملكًا، ولكن كان راعيًا أسود، فرزقه الله العتق، ورضى قوله ووصيته، فقص أمره في القرآن لتمسكوا بوصيته. وقال عكرمة والشعبي: كان نبيًا. وقيل: خير بين النبوّة والحكمة فاختار الحكمة. وعن ابن المسيب: كان أسود من سودان مصر خياطًا، وعن مجاهد: كان عبدًا أسود غليظ الشفتين متشفق القدمين. وقيل: كان نجارًا. وقيل: كان راعيًا وقيل: كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمةً. وعنه أنه قال لرجل ينظر إليه: إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض. وروى أن رجلًا وقف عليه في مجلسه فقال: ألست الذي ترعى معى في مكان كذا؟ قال: بلى. قال: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني. وروى أنه دخل على داود عليه السلام وهو يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد كالطين، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت، فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت. فقال: الصمت حكمة وقليل فاعله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: خُيِّر بين النُّبوة والحكمة فاختار الحِكمةَ)، الانتصاف: وفيه بُعْدٌ بيِّنٌ، فإنَّ الحكمةَ قَطْرةٌ من بحر النُّبوةِ، وأعلى درجاتِ الحكمةِ يَنْحَطُّ عن أَدنى مراتبِ النُّبوةِ، وليس من الحِكمة اختيارُ الحكمةِ المجرَّدة على النُّبوة.
قوله: (الصَّمت حُكْمٌ وقليلٌ فاعلُه) قال المَيْدانيُّ: الحُكم: الحِكْمةُ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢]، ومعناه: استعمالُ الصَّمتِ حِكمةٌ، ولكن قَلَّ مَنْ يَستعملُها.